التجربة الشيوعية في العالم العربي : بين إستلهام النجاح الغربي و واقع الفشل العربي. | بلشفيّات

بقلم الرفيق yazidi khaldoun



سنعمد في هذا الطرح إلى رصد التجربة الشيوعية في العالم العربي بين سعيها إلى نقل التجربة الغربية إلى الواقع العربي و فشلها في تلبية متطلبات الواقع .
ضمن إطار مقاربة تشمل الجانب التاريخي السياسي والإقتصادي في علاقة مباشرة بالواقع الإجتماعي من خلال رؤية تحليلية للمسارات المختلفة التي مرت بها التجربة الشيوعية .
-إن النظر إلى مرحلة النشأة في الشيوعية، في مستوى تحولها من تمثلاث فكرية فلسفية إلى مساعي إقتصادية سياسية تهدف إلى معالجة الواقع العمالي بدرجة خاصة و الإنساني بدرجة عامة ، يجبرنا على الرجوع إلى التجربة اللينينية الستالينية في روسيا .
إن روسيا القيصرية آنذاك كانت تعرف أزمة شاملة سياسية و إقتصادية و إجتماعية، فأمام هذا الوضع الخطير كان يجب البحث عن تجربة جديدة لإنقاذ الدولة و الشعب ، ومنه برزت التيارات اليسارية التي نجحت بعد خوض عدة ثورات و إنتفاضات في الوصول إلى السلطة بقيادة لينين زعيم البلاشفة .إن هذا الوصول إلى السلطة لم يكن رهين الصدفة بقدرما كان ثمرة جهد كبير نضالي تكاتفت فيه جهود اليساريين لإعتلاء كرسي السلطة. إلا أن السلطة كالسلطة لم تكن الغاية للبلاشفة بل كانت الوسيلة المثلى لإرساء المشروع الشيوعي في روسيا و نشره في بقية العالم بماهو مشروع يعتني بالإنسان العامل و يحفظ ذاته و كرامته من خلال إخراجه من كل مواصفات القمع و الإستبداد الرأسمالي المتوحش .إذن هذه المعارضة البلشفية للقيصر لم تكن مجرد رأي مخالف أو تيار معارض بل إنما كانت مشروع يحمل مبادئ و أهداف تعالج الواقع و تلبي كافة مطالب الشعب ، من عمل وسلم وكرامة و الأمن . فكانت السلطة هي الخطوة الأولى نحو البدأ في هذا المشروع فتم إرساء نظم إقتصادية متعددة تتماشى مع الواقع و لكن في إطار إشتراكي للمحافظة على جوهر المشروع و نجحت من خلال تتالي القاداة و محافظتهم و إيمانهم على مبدأ الشيوعية في جعل روسيا من رماد إثر الحرب الأولى إلى نار ألهبت شوك الرأسمالية الإمبريالية خلال الحرب الثانية .
-إذا مايمكن تمثله من هذه التجارب هو الواقعية حيث كانت جل التجارب الشيوعية في العالم الغربي هادفة تحمل أسس و مبادئ تتوافق مع متطلبات الواقع الشعبي أي أنها بعيدة عن كل ماهو أفلاطوني مثالي خيالي، فالجانب العملي كان الأكثر حضورا مقارنة بين الجانب العاطفي .
فالسلم و الأمن الإقتصادي الإجتماعي كانت متطلبات حتمية إستلزمت من الشيوعيين الإبتكار و التطويرو إستحداث خطط تتوافق و طبيعة المرحلة دون الحيد عن المسار الأساسي، ألاوهو تحقيق الوحدة العمالية و تخليصها من كل ترسبات الرأسمالية القاتمة ،القاتلة لكل أنواع التطوير الجماعي .
هذه القراءة تدفعنا إلى مراجعة الواقع الشيوعي في العالم العربي و مايعايشه تراجع كبير.
-إن بداية التوسع و إنتشار الفكر الشيوعي في العالم العربي،لم يشابه الرأسمالية قط التي كانت مفروضة و شيئ مجبر تنفيذه، إنما جائت الشيوعية نتاج فكر و تحرر المفكرين والقادة العرب على غرار عبد الكريم قاسم في العراق و عبد الناصر في مصر و جعفر النميري في السودان إضافة إلى نشاطات المفكرين التونسيين التي تبلورت في نشأة و تكوين حزب العمال .حيث بدأت هذه التمثلاث الفكرية في النزول إلى أرض الواقع والعمل على إرساء المشروع الشيوعي المزعم تنفيذه في العالم العربي. فبدأ القادة في إستمالة الشعوب بالمظاهرات و الشعارات الرنانة ، سائرين نحو السلطة و هو ما نجح في تحقيقه عدة قادة عرب منهم ماذكرناهم سابقا( عبد النصر و النميري و عبد الكريم قاسم) .
-إن السياسة هي كل شيئ في هذا الوجود كل شيئ مسيس و يحمل جانب سياسي داخله أو خارجه ، لذلك كان على القادة التعامل مع واقعهم بطرق تتماشى مع مايطمح إليه الشعب لا مايطمحون هم إليه و حصل العكس. فالسلطة التي كانت في الشيوعية الغربية وسيلة، تحولت في التجربة العربية لغاية قصوى، إذ إعتبر هؤولاء القادة أن إعتلاء كرسي الحكم هو الخطوة الأخير وبمثابة تحقيق الإنتصار على الرأسمالية و إرساء المشروع الشيوعي. ولكن ذلك العكس و الخطأ ، إذ جعلهم يفتقرون لحلول واقعية لمعالجة كافة مشاكل العمال و الشعب ككل فكانت أبسط المشاكل تعيقهم و تمثل حاجزا أمام ترسيخ أفكار المشروع ضمن الواقع الإجتماعي ،وهو ماجعل المشروع الشيوعي في العالم العربي يفتقر للحلول و القراءات العقلانية للواقع إذ بقي رهين المثالية الوجدانية التي لاتملك إلا الشعارات الموجهة ضد الجانب الرأسمالي.
كل ذلك جعل هذه التجارب تمثل معارضة سياسيةو فكرية فقط، لم ترتقي إلى تجارب سياسية وجودية . وهو ما سرع في سقوطهم عن كرسي الحكم و عادوا إلى البداية .فحتى الثورات الأخيرة التي شهدتها عدة دول عربية ،و اللذي كان من المتوقع أن تكون مصعد الشيوعية للسلطة لتسترجع نوعا من بريقها و تعمد إلى إعادة بلورة مشروعها وتحقيق غاياتها،لم تحدث أي تغيير بل عمقت الأزمة و أسهمت في إبعاد الشيوعية عن الساحة. و جعل القادة و الرفقاء يعايشون عدة صعوبات في فرض ذواتهم داخل هذه الساحة السياسية المليئة بالإنتهازيين.

*هذا الطرح مفاده رصد الواقع اللذي عايشته الشيوعية كأفكار و كمشروع ضمن تجارب متعددة و مختلفة الأطوار ، و هو كذلك دعوة لكافة الرفقاء للإدلاء بآرئهم حول هذه التحولات الأنطولوجية التي تشهدها الشيوعية داخل عالمنا العربي.


| الشيوعية في العالم الغربي:
- تاريخ البدايات
- التجارب بين الغايات و الواقع
|| الشيوعية في العالم العربي :
-نقل الفكر الشيوعي نحو الثقافة العربية
- في مراجعة لأسباب الفشل النسبي و التراجع 

إرسال تعليق

0 تعليقات