" توماس سانكرا : حين ينهض الشعب ترتعد الامبريالية " | بلشفيّات


الناشر : احمد ربعاوي


كانت السنوات القليلة التي قضّاها سانكرا في حكم بوركينا فاسو كافية لتخليد ذكرى هذا القائد الشاب المثقف. إذ غير الكثير في بلاده وأطلق صيحة حرّية وانعتاق إقتصادي و إجتماعي في قارّة شهدت أحد أطول وأبشع أنواع الاستعمار والحروب الأهلية وانتشار المجاعات وكل الأمراض الممكنة تقريبا .

كانت البلاد تُسمّى فولتا العليا، فغيّرها سنكارا إلى بوركينا فاسو (وتعني أرض الرجال الشرفاء أو النزهاء و هي كلمة مركّبة من اللغتيْن الأكثر انتشارا بالبلاد) . كان هذا التغيير إعلانا ذو دلالة رمزية أن صفحة الإستعمار والتذيّل لقوى الهيمنة العالمية أمر قد ولّى زمانه. بدأ سنكارا طريقه الصعب كما وصفها، و أن السلطة هي التى طاردته ولم يكن راغبا فيها بقدر ما هو محمول بهمّ تغيير شعب ووطن وبعث أمل في قارّة بأكملها. وهذا ما درج على تبيينه في كلّ خطبه.

بدأ الثائر الشابّ بمحاربة الفساد والبيروقراطية المستشرية. و منع توريث الوظائف أو تقسيمها حسب الوشائج القبلية ونفوذ المجتمعات المحلية. وشجّع على التعلّم، فقفز في سنة واحدة معدّل التعليم إلى أكثر من النصف وتراجعت الأمّية بشكل كبير. كما كانت أكثر فترة أنشأت فيها الدولة المدارس و الجامعات. على المستوى الإقتصادي، قامت الدولة بتأميم الأراضي من المالكين الأجانب وكبار الإقطاعيين في البلاد، و أعادت توزيعها على الفلاحين. كما أنها شجعت الزراعات المحلية من قطن وذرة. و هذا مع حقّق نوعا من الاكتفاء الذاتي الغذائي للشعب كان يعيش المجاعة قبل سنوات قليلة.


أعلن سنكارا الحرب على التصحّر فتمّ زراعة أكثر من مليون شجرة. وقامت الدولة بمنع استيراد عديد المواد الصناعية من أجل التشجيع ط الابتكار وتنمية الصناعات المحلية. وهو ما حصل بالفعل. فمنذ السنة الثانية لحكم سانكارا، كانت كل صناعات النسيج تعتمد على قطن بوركيني مائة بالمائة، وكان الشعب يرتدي ما تنتجه مصانع بلاده. وكان للثوري الشابّ الأسبقية في رفض ظاهرة ختان البنات ومحاربتها بشدة من خلال الحملات الدعائية والتثقيفية التي تبيّن مخاطر هذه العادة على الصحة الجسدية والنفسية للنساء. شجّع على تعليم البنات ونشر قيم المساواة بين الجنسين. وتمكّنت المرأة، خلال حقبته القصيرة، من شغل عديد الوظائف في الدولة، وهو ما كان يُعَدُّ تحدّيا في مجتمع قبَلى تسود فيه العقلية الذكورية.

أمّا على الصعيد الخارجي لإفريقيا ،فقد كان توماس سانكارا أحد رموز التحرّر الكفاح الوطني ويُعتبر من الأوائل الذين عملوا على تحقيق شعاراتهم ومشاريعهم النهضوية على أرض الواقع. إذ حثّ الدول الإفريقية على عدم الإعتراف بالديون المتخلّدة من حقبة الإستعمار و عدم سدادها، لأنّها وجه آخر لإستعمار مُقَنَّع . ويُعَدُّ “غيفارا افريقيا”، كما يحب البعض من أنصاره تسميته، ملهم الشباب الثائر والمقبل على التغيير و خلق البديل الوطنى وسط عالم يسير بنسق سريع نحو النيولبيرالية المتوحشة، مقابل بدايه أزهار ربيع شعوب تسيير ببطئ نحو الديمقراطية.

هناك توجد هذه النقاط الفارقة وخطوط النور التي يستمدّ منها شحنة الأمل والإرادة الصلبة تلك. انتهت قصة هذا البطل بشكل درامي بخيانة من النائب ورفيق الدرب و السلاح بليز كومباوْري وبتخطيط من قوى خارجية كما أثبتته الوثائق الأرشيفية المفرج عنها في السنوات القليلة الفارطة. وقد أطاحت مظاهرات شعبية بكومباوْري، عند محاولته تنقيح الدستور للحكم مدى الحياة، ما أدّى به لمغادرة البلاد تحت ضغط كبير من الشارع . وفي الأثناء سيظلّ سنكارا قصة ملهمة في قلوب كل الحالمين بالتغيير في زمن أصبح فيه حتى الحلم مُرهِقًا.



إرسال تعليق

0 تعليقات