مكانة المرأة في المجتمعات الشيوعية و الرأسمالية | بلشفيّات

بقلم الرفيق ايهاب المالكي

لقد احتلت المسألة النسائية دائما مكانة مركزية في النظرية و الممارسة الماركسية، لقد تبنت الاممية الأولى النضال من أجل الإصلاحات بمنتهى الجدية. كما نظرت الماركسية إلى قضية تحرير المرأة في ارتباط وثيق مع تحرير المجتمع من كل أشكال الاضطهاد الطبقي و القومي و الديني، فإن اول بحث رائد في الماركسية حول قضية المرأة هو الذي قدمه انجلز (أصل العائلة و الملكية الخاصة و الدولة) و الذي نشر لأول مرة عام 1887م، حيث انطلق انجلر من الفهم المادي للتاريخ الذي يقول ان التحول في أسلوب الإنتاج يؤثر على الوجود الإنساني بأثره، بما في ذلك شكل العلاقات بين الرجال و النساء، و لا يمكن الفصل بين الإنتاج و تجديد النوع البشري في تطور المجتمع. و كانت اهم استنتاجات انجلز تتلخص فإن النظرة إلى دونية المرأة هي نتاج تطور تاريخي اجتماعي، لا تتعلق بالفروق البيولوجية بين المرأة و الرجل. فالمجتمعات البدائية شهدت المساواة بين المرأة و الرجل حيث كان الأبناء ينسبون للأم، الا انه مع ظهور المجتمعات الزراعية و الرعوية و الفروق الطبقي و الدولة و تركز الثروة في يد الرجل بدأت تظهر عدم المساواة بين المرأة و الرجل، و أصبحت الوراثة من جهة الاب لاستمرار سيطرة الرجال، حيث أشار انجلز الي ان الاطاحة بحق الام كان الهزيمة التاريخية العالمية لجنس النساء و من هنا بدأت سيطرة الرجل و هيمنة المجتمع و تراجع دور المرأة إلى المنزل. و هذه الهزيمة
ارتبطت بانقسام المجتمع إلى طبقات مستغِلة و مستغَلة، و بالتالي يستحيل فصل النساء عن تحرير المجتمع ككل من الاضطهاد الطبقي و كل أشكال القمع و الاضطهادات الأخرى. 
إضافة لمساهمة انجلز التي كانت رائدة بحق في البحث عن الجذور الحقيقية لاضطهاد المرأة و التي شكلت سلاحا هاما في الحركة النسوية في نضالها من أجل التحرر، أشار ماركس في مؤلفات متفرقة إلى قضية المرأة على أن تطور المجتمع يقاس بتقدم المرأة. فخروج المرأة للعمل مع الرجل لا بد أن يصبح بالضرورة مصدرا للتقدم الإنساني، و يخلق اساسا اقتصاديا جديدا بشكل أعلى من الأسرة و للعلاقات بين الجنسين، فمكان العمل يفتح أمام النساء أوسع الفرص النضال و التنظيم. الا انه من الخطأ التصور ان الماركسية نظرت إلى تحرر المرأة في مستوى العلاقات الاقتصادية و الإنتاجية فقط، و لكن المسألة شقها الثقافي الذي يتعلق بالبنية الفوقية للمجتمع، فبمجرد تحرير المجتمع كله من الاضطهاد الطبقي و مساواة المرأة مع الرجل في الأجر و بقية الحقوق، لا يعني ذلك أن قضية المرأة تم حلها، ذلك أن لقضية المرأة شقها الثقافي و الذي يتعلق بالصراع ضد الايديولوجية التي تكرس اضطهاد المرأة و دنيتها، و التي هي نتاج قرون طويلة من قمع و اضطهاد للمرأة، و بالتالي لا بد من مواصلة الصراع في الجبهة الثقافية و البنية الفوقية للمجتمع، ضد الأفكار و المعتقدات التي تكرس دونية المرأة و التي كرستها مجتمعات الرق و الاقطاع و حتى الرأسمالية التي تعيد إنتاج عدم المساواة في توزيع الثروة و بين البلدان المتخلفة و تعيد إنتاج عدم المساواة بين الرجل والمرأة و تجعل منها سلعة و أداة للمتعة الدعارة و أداة للاعلان الدعاية، إضافة للقهر الطبقي و الثقافي و الجنسي. 
و لا تزال المرأة في الدول العربية تخوض كفاحا مستمرا لنيل حقوقها و مساواتها بالرجل اجتماعيا فلقد اضطلعت بدور مهم في ثورات "الربيع العربي" و برزت عدة وجوه نسوية في مختلف البلدان، لعلا ابرزهن الحقوقية راضية النصراوي، مية التجريبي، لينا بن مهني… كما انخرطت المرأة في الاحتجاجات على الانظمة الديكتاتورية من أجل صنع مستقبل افضل. و لكنها لم تصل حتى الآن للمشاركة الفعلية في الحياة السياسية التي تلت تلك الفترات، فتم تجاهلها في معظم البلدان في تشكيل الحكومات و البرلمانات. و بالنسبة للشأن المحلي، ففي تونس تواصل النساء بعد الثورة شق طريقهن بثبات من أجل ارساء المزيد من القوانين ورالتشريعات التي تضمن الحرية و المساواة بين الجنسين و مكافحة التمييز. لكن ترسانة القوانين التي عززت التشريعات خلال العشرية الاخيرة، مازالت تواجه عقبات في التطبيق في ظل مجتمع لم تنضج فيه بعد فكرة المساواة بين الجنسين، و لا زالت هناك هوة شاسعة بين القوانين و الممارسة. فدستور جانفي 2014 ينص في فصله 21 على أن المواطنين و المواطنات سواء أمام القانون دون تمييز، و حسب الفصل 46 من الدستور، يتعيّن على الدولة اتخاذ التدابير الضرورية للقضاء على العنف ضد المرأة، و ان أشكال العنف الموجه ضد النساء متعددة و القانون التونسي يعاقب مجملها، كما تحرّم المجلة الجزائية الحالية الاغتصاب و الاعتداءات الجنسية المعتبرة اعتداءات بفعل الفاحشة و التحرش الجنسي. كما يشكل الضرب و الجروح التي يتسبب فيها الزوج ظروف تشديد، لكن العنف الجسدي و المعنوي و الاقتصادي في إطار الزواج مازال لا يدخل تحت طائلة القانون. و على الرغم من هذا العدد الكمي من القوانين التي تجرم العنف عامة و ضد المرأة خاصة الا انه ظاهرة العنف ضد المرأة مازال متفشيا، فلقد بان للكاشف بأنها قوانين للاستعراض لا للتطبيق، فظاهرة العنف ضد المرأة موجودة و مستمرة و قد ارتفعت وتيرتها بشكل كبير مؤخرا و نحن في تونس دولة القانون بعد 11 سنة على الثورة، و خير دليل على ذلك الكم الهائل من العنف المسلط على النساء في المسلسلات التلفزية و الغريب ان المرأة نفسها تساهم بمشاهدتها لهذه المعروضات المتخلفة… 
فمتى تعي المرأة بانسانيتها و ترفع اللاء في وجه الجلاد؟ 

إرسال تعليق

0 تعليقات