الماركسية و الفن : قراءة في رسومات كلود لورين | بلشفيات

الرفيق احمد صالح

" ليست الماركسية نظرية في الأدب أو الثقافة العامة ،بل برنامج لتغيير المجتمع ، يبدو الآن بعيدا عن التصديق . وذلك البرنامج يقوم على نظرية بالفعل لكنها نظرية في التاريخ و العلاقات الاقتصادية وهذه النظرية مفادها أن القوة المحركة للتاريخ هي الصراع من أجل السيطرة على موارد الانتاج ، الصراع الطبقي! (1)وهل ثمة حاجة لأن نذكر بأن التاريخ كله عند ماركس هو تاريخ صراع طبقي حيث يجري هذا الصراع خفيا حينا و ظاهرا حينا ، وينبغي أن تفسر أوجه التاريخ الأخرى : الحروب ، السياسة، المنظمات الحقوقية ، الثقافة العامة و الفن الرفيع على أساس الصراعات الطبقية التي تخاض عبرها" (2)
عبر الفهم الصحيح للماركسية انطلق ليونارد جاكسون في الدفاع عن رأي ماركس القائل بأن الصراع الطبقي يجري في كل مجالات الحياة و الفن و الأدب مجال لا يمكن بأي حال عزله عن المجرى الحقيقي لتطور حركة الصراع الطبقي. و ينطلق ليونارد في تفكيك مثال وهو الجمال المرئي من خلال تحليله لرسم المناظر الانجليزي ليبرهن المحلل جاكسون عن صحة ما ذهب له ماركس و انجلز في البيان الشيوعي. ينطلق الكاتب في تحليله للتاريخ الثقافي من خلال رصد اعتراضات الانسانوية على النظرية الماركسية في الثقافة ويرى ليونارد جاكسون أن الانسانوية نظرة لا جدلية في التحليل تنزع الى التوصيف و الكلية أكثر منه الى التفكيك و التحليل وفقا لتطور فن الرسم انطلاقا من رسومات الإنسان القديم في مصر واليونان مرورا برسوم النهضة التي تصور البطولة الكلاسيكية وصولا الى المحاكاة الطبيعية في القرنين 18 و 19.ويرى الانسانويين بأن هذا التطور سببه واحد وهو موهبة الانسان المتطورة وهذه حجة يرفضها جاكسون و يعارضها ومن ثمة يهاجمها ويردها الى كانط الذي يحلل عبر أسلوب "الاستدلال المتعالي" ليقدم حججا اضافية تؤكد صدقية ما يقر به وهو ادراك غاية ما في العالم فينزع الانسانويين الى اطلاق الأحكام البصرية السهلة و المتداولة دون تفكيك لوحدات العمل الابداعي (رسم) . يتجاوز الكاتب التحليل الانسانوي النمطي الى تحليل مؤرخ الثقافة الهيغلي الذي يرصد تطور الفن و ترابطه بتطور التاريخ البشري فيحاجج على تطور فن الرسم بتقدم حركة التاريخ هكذا دون أي ربط بالبنى الفوقية للإنسانية و للتاريخ الانساني الجمعي .بينما يحلل جاكسون هذا التمشي في التحليل الجمالي يدرج تحليلا ماركسي صرف يقول بأن تطور الفن هو أحد أوجه تطور الصراع الطبقي فأذواقنا الفنية و تطورها مرتبط جوهريا بالتطور الاقتصادي في كل مراحل التاريخ البشري يقول في هذا الاطار :" أذواقنا التي تبدو عفوية في الظاهر هي وجه من أوجه إديولوجيا الطبقة الحاكمة في كل مرحلة"(3)
يقول ليونارد جاكسون :" حين أنظر الى رسمة منظر طبيعي تكون السياسة بعيدة على خاطري" (4) ومن هنا ينطلق الكاتب في تحليل رسومات التشكيلي الفرنسي كلود لورين وهو رسام فرنسي عاش معظم حياته في روما ويعتبر واحدا من أعظم رسامي المناظر الطبيعية المثالية في القرن 17.
ينطلق الكاتب من خلال عرض تطور فن رسم المناظر الطبيعية و يخصص من خلال دراسته لتطور رسم المناظر الطبيعية ورسم الريف الانجليزي . فينطلق من رصد ظهور فن رسم الطبيعة و استقلاله بذاته كفن و يصنف الرسومات وفق تطورها الزمني ويأتي فن رسم المناظر الطبيعية ثالثا بعد الرسم التاريخي الملحمي ثم رسم بورتريه الأشخاص و يرى جاكسون أن رسومات كلود لورين لا يمكن رؤيتها بمعزل عن سيرورة تاريخية كاملة . هذا التطور الذي كنس والى الابد الرسم التاريخي وعوضه برسم الطبيعة و بذلك يقدم جاكسون الحج على ديالكتيك الرسم باعتباره نتاجا لسيرورة تاريخية كاملة ولوعي انساني و ذوقي كامل.
يعتبر جون بارل صاحب أهم نظرية في الرسم وهو موضع محاورة نقدية من قبل ليونارد جاكسون هنا ، اذ أن بارل ينزع الى ترويج خطاب المخاتلة من خلال الرسم فيأتي رد الكاتب ماركسيا ماديا تاريخيا وجدليا ليفند رأي بارل القائل بأن تطور فن الرسم وظهور فن رسوم الطبيعة هو تطور تاريخي لا غير   في حين أن تطور الرسم هو نتيجة حتمية لتطور علاقات انتاج ادت الى تغيرات في التركيبة الطبقية للمجتمع الانجليزي برمته. يقول ادوارد طومسون في هذا السياق :" ثمة نمط محدد من الريف الأنجليزي يحتفي به هذا الجنس من الرسم ، هو ذلك الذي خلق في الطور الأخير من الحكم الأرستقراطي ،ريف منازل ضخمة ، مقامة في منتزهات خاصة و محاطة بمزارع يعمل فيها مزارعون مستأجرون"(5)
يبقى على الفن أن يقوم بوظيفته السياسية المقاومة بحسب غرامشي . ويتحتم على الشيوعيين أن يأسسوا للفن المقاوم و للبديل الأدبي المقاوم للأدب العدمي البرجوازي.


مصادر:
(1) بيان الحزب الشيوعي 1848
(2) ليونارد جاكسون : الأدب و النظرية الماركسية.ص_183
(3) نفس المصدر ص 186
(4) نفس المصدر ص 186
(5)ادوارد طومسون  whgis and Huntersدر ص 186

إرسال تعليق

0 تعليقات