وجوه الرأسمالية | بلشفيّات

بقلم الرفيقة يمام زغلول



  مقدمة:
إنّ من الطبيعي في أي مجتمع أن يتمتع جميع أفراده بكامل حقوقهم وأن تتأمن جميع احتياجاتهم من قبل حكوماتهم بدءاً من الطعام والشراب وصولاً إلى حقهم في التعبير عن آرائهم ونقدهم لما لا يناسبهم من قرارات تتخذها هذه الحكومات ,ومن الطبيعي أيضاً أنّ أي نظام سيقف عائق في تحقيق الشعب لمطالبه وحرياته سنقف في وجه غاضبين مستائين ساعيين لتغييره ,

   كل ذلك من المفترض أن يكون من المسلمات التي نؤمن بها ونسعى لتطبيقها , لكن ما يحدث عكس ذلك تماماً فالأمر لا يتوقف على حكومة أو بلد معينة , الأمر متعلق بنظم عالمية كاملة كل الهدف منها الاستغلال وقتل وتدمير الشعوب لكي تستفيد وتستطيع أن تملأ خزائنها باختصار شديد لا يوجد مثال أفضل من الرأسمالية العالمية على هذه الأنظمة كونها النظام الاقتصادي الأول في العالم الذي استطاع أن يغزوه بأكمله هذا النظام الذي أصبح يتغلغل في كل جوانب حياتنا : العمل التعليم قيمنا أفكارنا وحتى نظرتنا لأنفسنا ..

كيف تستطيع الرأسمالية بناء دعائمها ؟
على من تسيطر! ومن تستغل؟
ذلك ما سأحاول شرحه في مقالي هذا

الإعلان والتسويق : (تسليع النساء )

في الإعلان والتسويق للمنتج الرأسمالي لا يهم إن كان المنتج مفيد أو ضار للمستهلك إن كان يلبي حاجات حقيقية أم لا مايهم فقط هو بيع أكبر كمية وقدر منه حتى تستطيع الشركة أو المؤسسة الربح حتى وإن كان على حساب آلاف القيم الإنسانية
مثال: شركات التي تنتج وتبيع حقن الوجه التجميلية هذه الشركات لا تستطيع أن تحقق أرباحها وتصبح عالمية من دون أن تبيع كميات هائلة وهذا يتطلب نوع معين من التسويق لا يكتفي فقط بظهور إعلانات هذه المنتجات في وجهنا على التلفزيون أو في الشارع يتطلب نوع من الإعلانات يغير ويحول مفاهيم ونظرة النساء لأنفسهن حتى يتم استمرار شراء هذه المنتجات يجب اقناعهن بأنها ضرورية كالطعام والشراب ضرورية كجميع الأساسيات التي يجب أن تمتلكها أي امرأة ستظهر إعلانات هذه المنتجات طوال الوقت في وجوهنا وتكون أداة الإعلان فيهم أو المرأة بالأصح ذات وجه مثالي وجسد مثالي كاللواتي يظهرن في مسابقات ملكات الجمال وعروض الأزياء سيظهرن في وجه الأم العاملة , ربة المنزل , الفتاة المراهقة في وجه كل امرأة... ويولّدنَ عندهن الشعور بالنقص وقلة الثقة والحاجة لعمل تغيير في أجسادهن مظهرهن أو وجوههن أو كل ذلك سويةً! هذه الإعلانات لن تخبرنا نحن كنساء بشكل صريح بأننا مجرد سلع وأدوات لعرض منتجاتها وتحقيق أرباحها لن تصرخ في وجوهنا وتقول أننا يجب أن نكون مرغوبات طوال الوقت وأن ذلك لا يتم إلا من خلال منتجاتها..
ولكنها استطاعت بكل بساطة أن تزرع هذه الرسائل في عقل كل امرأة استطاعت هز ثقة ملايين النساء بأنفسهن وصرف ُجل اهتمامهن إلى حلقة مفرغة وبشعة من الاستهلاك والسعي لتحقيق الجمال المزيف وتحويل أنفسهن لمجرد سلع من دون عقل وروح. 

الاكتفاء الذاتي ( الجانب النفسي):

إن الإعلان والتسويق للمنتج لا يعدو عن كونه المرحلة الأولى من تحقيق دائرة الربح حيث لا تكتفي فقط الشركة بأن تقوم بالإعلان الذي ستتبعه المبيعات هناك خطة لتوليد حالة أشبه بحالة إدمانية عند المستهلك تجعله يشعر بحاجته الدائمة لشراء منتجاتها وامتلاك أكبر قدر ممكن منها وهذه الحاجة لا نهائية فكل يوم هناك أنواع جديدة من المنتجات أحدث وأفضل وأجمل وبصفات متطورة إلخ.. توليد هذه الحالة عند الإنسان أو المستهلك (بلغة الرأسمالية ) سيغير مفاهيمه ونظرته لكل ما حوله سيجعله في حالة دائمة من الترقب والبحث عن الوسيلة التي يستطيع فيها امتلاك وشراء كل مايريده ويتمناه وأثناء هذه العملية بالطبع سيتغير مفهومه للاكتفاء الذاتي سيبتعد عن القضايا الأساسية التي يجب أن تشغل اهتمامه فبدل مثلاً من أن يكون سعيه للعمل والدراسة من أجل أن يصبح إنسان أفضل له مكانة اجتماعية إنسان يطور قدراته وامكانياته بشكل يفيد به نفسه وبشكل يطور من مجتمعه يتحول هدفه منهم من أجل الوصول إلى مناصب عالية ستؤمن له ليس فقط الارتياح المادي بل الثراء أيضاً ظناً منه بأنّ هذه هي الطريقة الوحيدة لعيش حياة متوازنة وهنيئة قد يستغرب القارئ لوهلة فمن المنطقي أن يكون ذلك غاية كل إنسان ! تحقيق الارتياح المادي وعيش حياة كريمة لا ينقصه فيها شيء! لكن هناك حقيقة لا تتغير: إنّ أي نوع من الارتياح المادي في مجتمعات النظم الاقتصادية فيها قائمة على النهب والاستغلال هو مهدد في أي لحظة أن يزول وأن تصبح الغاية الوحيدة للإنسان في يومه تحصيل لقمة عيشه.. وللأسف الشديد هذا الحاصل في معظم دول العالم يتم تغييب الشعوب عن القضايا 
الأساسية التي يجب أن تنشغل بها كالفكر والتطوير والنهوض بالاقتصاد بالتجارة بالعلم ويشغلونها بمسائل لا طائل منها كزرع الطائفية وزرع الحقد والاختلافات بين الأديان وغيرها الكثير فلا تعي هذه الشعوب لاستغلال هذه القوى لها إلا بعد أمد طويل من نهب مواردها وتغييب عقولها بأمور ومشاكل لا حل لها ..

الرأسمالية والبيئة: ( المناخ , الثروة , الإنتاج الزراعي)

"أظهرت إحدى الدراسات الشهيرة أن 100 شركة كبيرة (معظمها شركات لإنتاج الوقود الأحفوري ) مسؤولة عن أكثر من 70% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وقد تم الكشف في الأونة الأخيرة عن أن 20 شركة فقط مسؤولة عن إنتاج ثلث إجمالي ثاني أكسيد الكربون منذ عام 1965 وفي المقابل فإن الأسر في البلدان الرأسمالية المتقدمة غير مسؤولة سوى عن حوالي 3% إلى 10% فقط من النفايات في مكبات النفايات والباقي بشكل رئيسي عن الأنشطة الصناعية الكبرى والبناء والتعدين"
نتائج هذه الدراسات غير ُمستغربة.. فإذا كان الرأسمالي لا يعطي قيمة للعامل أو الشغيل فهل سيكون من حماة البيئة! النضال من أجل الحفاظ على البيئة هو نضال للحفاظ على وجودنا نضال يجب أن نتمسك به جميعنا وليس فقط مناصري البيئة بكل بساطة لأن الإنسان يعيش فيها وليس في الفراغ , وكل الأضرار والحوادث التي ستصيبها ستؤثر علينا بشكل أو بأخر أما بالنسبة للثروة في البلدان النامية فيبقى التساؤل عن فقدانها يطرح نفسه :
 إن الثروة موجودة واليد العاملة اللازمة لتنميتها موجودة أيضاً بوفرة! ويستطيع أن يقتسمها الجميع بعدل وبشكل متساوي ولكن الثروة ليست في يد المواطنين... وهذا مايجيب على كل الأسئلة هذه الثروة تسيطر عليها الشركات الكبرى وتبذرها قوى الامبريالية على وسائل التدمير والتخريب وماتبقى منها تأخذه لها وتتكرم بالفتات على الشعب وهذا الفتات بالطبع لن يكفي فستحصل أزمات لانقطاع مواد غذائية من السوق أو حتى أنواع ثانية من المواد ويكون سبب انعدامها ليس نقصها في الطبيعة بل حياز هذه الشركات الكبرى على أكبر قدر منها.

    الإنتاج الزراعي:

في كتابه رأس المال يناقش كارل ماركس طبيعة الإنتاج الزراعي في ظل الرأسمالية حيث قال: كل تقدم في الزراعة الرأسمالية هو تقدم في فن ليس فقط نهب العامل بل نهب التربة أيضاً وكل تقدم في زيادة خصوبة التربة لفترة معينة هو تقدم نحو تدمير المصادر الدائمة لتلك الخصوبة .. الإنتاج الرأسمالي بالتالي يطور التكنولوجيا فقط من خلال استنزاف المصادر الأصلية لجميع الثروات أي التربة والعامل. "إنها باختصار مسألة طبقية .. من يملك؟ من يقرر؟ إن فوضى الرأسمالية تدمر البيئة , نحن بحاجة للتخطيط بشكل عقلاني وديمقراطي لكيفية استخدام موارد الكوكب وماهي التقنيات التي نحتاجها لتطويرها واستثمارها.. نعرف على من يجب أن نلقي اللوم فيما يخص البيئة والحل واضح: تحويل تلك الشركات والصناعات إلى الملكية العامة ووضعها تحت الرقابة الديمقراطية للعمال وجعلها جزءاً من خطة إنتاج اشتراكية عقلانية . عندها فقط سيمكننا تحقيق اقتصاد مستدام , حيث لا يتعارض ارتفاع مستويات المعيشة مع حماية الكوكب.

الرأسمالية والتعليم: (بعض المدارس الخاصة في سورية _الرأسمال الصغير)

عندما يخضع التعليم أيضاً للتسليع فما المتوقع أن تكون النتيجة؟
حتى يستطيع هذا الرأسمال الصغير تحقيق أرباحه واستقطاب أكبر عدد من الطلاب والطالبات يطبق نظام تعليمي ضاغط يستنزف عقول الطلاب وطاقتهم النفسية دون توقف لا يراعي تفاوت قدراتهم ,تنوع أهدافهم أو رغباتهم في الفروع الجامعية التي يريدون دخولها الاختبارات طوال الوقت والضغط على الطالب ليكون متميز على الدوام ليستطيع في نهاية الثانوية العامة أن يحصل على درجات تؤهله لدخول كليات مرموقة مثل الطب الصيدلة أو الهندسة قد يطرح ذلك تساؤل عندك عزيزي القارئ فما العيب بأن يصبح الإنسان مهندس أو طبيب ناجح!
لكن هل يحتاج المجتمع فقط إلى الأطباء والمهندسين ؟
وهل هدف هذه المؤسسة التعليمية هدف علمي وتنموي؟
بالطبع لا ..هم يستخدمون الطلاب كمجردة أداة لتحقيق أرباحهم فكلما استطاعت أعداد أكبر من طلابهم الدخول لهذه الكليات سيحققون شهرة وشعبية أكبر ويستقطبون طلاب جدد بالمقابل هذه الدائرة العقيمة لا يتضرر منها غير الطالب نفسه حتى وإن كان يدفع مبالغ طائلة لدخول مثل هذه المدارس فالضغط الجسدي والتعليمي الذي يطبق عليه والاستنزاف النفسي لقدراته وإمكانياته يمكن أن لا يجدي نفعاً بكل بساطة! وأن لا ُيؤهل لدخول إحدى هذه الكليات فيقف هنا فاقد الحيلة يشعر بالفشل وبتحطم أحلامه التي هي من البداية لم تكن أحلامه بل أحلام وأهداف هذه المؤسسة التي جعلت تزرعها فيه طوال مدة طويلة من الزمن.. هذه المفاراقات لا توجد إلا في الرأسمالية فأين قيم حب المعرفة والعلم ؟ أين السعي لتعزيزها عند الطلبة كيف سيفهم ابن السابعة عشر عاماً بأنّ هذا ليس فقط استغلال مادي بل وحتى فكري... يشوه مفاهيمه عن أسس التعليم الصحيح وعن السعي الحقيقي لإفادة نفسه والناس من خلال المعرفة!

الرأسمالية والدين : ( الاتجار بالدين)

الرأسمالية لا تلقي بالاً للطبقات الفقيرة والمدهوسة وليس من مصلحتها أن تمتلك هذه الطبقات الوعي الطبقي وأن تثور عليها وتدمرها إذاً من سيخدرها ويجعلها تصمت عن حقها ؟
الدين أنسب أداة تستطيع استخدامها لتحقيق ذلك تعزيز فكرة القضاء والقدر من خلال رجال الدين واستحالة معارضتنا له, ذلك كله يوصل للسكوت والخضوع أمام الظلم والقمع والنهب فبدل من أن يطبقوا هؤلاء الشيوخ والداعية هدف الدين الحقيقي ألا وهو توعية الناس وتحريضهم للتمرد على الظلم , تحصيل حقوقهم من هذه القوى الاستغلالية والاستعمارية يشغلونهم بأمور : مثل العفة والستر والشرف الذي بالطبع يتم حصره على النساء فلا يكون ذلك إلا مجرد امتداد للنظام الطبقي الأبوي لا يقتصر الأمر هنا فهناك العديد من الأمور التي نجد رجال الدين عامة يتحدثون فيها طوال الوقت ويحثون مستمعيهم على النضال من أجلها والتي هي بالطبع لن تساهم في تحرير الشعوب من الظلم والفاسدين ولن تجعل الشعوب أيضاً تعي شيئاً من حولها..
باختصار إنّ الدين بالنسبة للرأسماليين كالبيئة كالإنسان كالثروة كالتعليم شيء يمكن استغلاله وتطويعه لمصالحهم..

ختاماً:

يجب أن نتنبه بأنّ "المشكلة هي دافع الربح وليس النمو الاقتصادي في حد ذاته إننا نعيش داخل نظام اقتصادي يعتمد على الاستهلاك المستمر للسلع والجري الدائم نحو مراكمة الأرباح . لا ينتج الرأسماليون من أجل تلبية الاحتياجات , بل لتحقيق الأرباح ولذلك فإنه إذا لم يتم بيع السلع تعمل الشركات والصناعات على إغلاق أبوابها ويفقد ملايين العمال وظائفهم" وهذا ما يجعلنا ننقد هذا النظام ونريد تغييره كونه لا يعدو عن نظام وحشي استغلالي بحت مجرد من كل قيم الخير والإنسانية يسير وراء مبدأ البقاء للأقوى كما في الغابة


بقلم : يمام زغلول من ِدمشق ,سوريا طالبة سنة ثانية في قسم الإرشاد النفسي ( فرع متخصص بعلم نفس الإنسان ) في جامعة دمشق
المراجع : دراسات عن البيئة واقتباسات من مقال موضوعات حول أزمة المناخ (الموقع العربي للتيار الماركسي الأممي)

إرسال تعليق

2 تعليقات