لماذا الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ؟ | بلشفيّات


الكاتب : الرفيق المؤمل عادل

في "زمنِ الوحوش" حين يصدح البعض مجاهراً متفاخراً بعمالته، والطرف الأخر يدعوى إلى الإعتدال و السلام المزيفان، يلوحُ في الذكرى صوتُ الحق من قُمرة طائرةٍ أحرقت قلوب العالم ذات يوم

ذاك هو صوت وديع حداد يلوح فوق الغيوم، مجازياً وحرفياً.
لم يكن وديع أو ليلي خالد قُطاع طرق أو قتلة مأجورين، بل صُناع قضية ! .

حين غض العالم البصر عن فلسطين وعن هموم الشرق ذكره المناضلون بإننا هنا، وأننا اليوم لنا الغلبة واليد العليا وأن تصمت رؤس الأموال الأجنبية والمحلية التي مولت الحروب ومهدت الطريق والخارطة للفاشست، لمغول العصر، لمستنقع الرجعية، أو كما وصف مهدي عامل الكيان المحتل بـ "روما العصر".

لقد فتحت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أبواب التعلم والمعرفة لكل الطلبة والمناضلين فعلى عكس أقرانهم كانت الجبهة تمول البرامج الإجتماعية التعليمية الهادفة بإشراف ثُلة من المثقفين المناضلين.

فلم تكتفي إذن الجبهة الشعبية بتمويل المقاتلين بالرصاص والسلاح عشوائياً كما فعل الأخرون بدون تخطيط أو دراسة جدوى.

وإن أكثر ما قد يلفت النظر إلى رفاق الجبهة الشعبية أنهم في نظر الجماهير والتنظيم كلهم قادة، فحين يلاحظ الباحثون في الشأن التاريخي السياسي أن غالبية التنظيمات السياسية عبر التاريخ كانت تُعطي القادة والزعماء مكانةً أعلى من غيرهم من أبناء عامة الشعب، أما الجبهة رفضت ذلك رفضاً قاطعاً ففي نضرها لا يختلف مناضلان في قلوب الثوار فقط لإختلاف رتبتيهما فكلاهما مهمان ودون الأخر يسقط التنظيم كله، ففي الإعلام المركزي للجبهة ترى صورة الشهيد "أبو علي مصطفى" قرب صورة الشهيد محمد الأسود "جيفارا غزة" بنفس القياس والبعد الصوري ونفس القيافة والوقار، وصورة الشهيد جورج حبش في نظر الجماهير اليسارية للجبهة الشعبية ليست أكبر منزلةً من صور الشهداء الابطال من أمثال "امجد مليطات" أو الشهيد "نزار بنات".

وكلمة الشهيد القائد "غسان كنفاني" مسموعة وتحترم مثلها مثل أي كلمة ينطقها أي مناضل في الجبهة وقيمتها في قلب الجماهير الفلسطينية تساوي نفس قيمة كلمة الشهيد "باسل الأعرج" تحليلاً و نقداً.
فلا فرق بينهم إذ أنهم كلهم عضويون وفعالون ممارسةً و نظرياً ، وقد ذهبت الجبهة أكثر من ذلك، فالجناح العسكري للجبهة "كتائب الشهيد أبو علي مصطفى" دائماً ما كان ينظر إلى كل المشتبكين على أنهم رفاقه سواءاً كانو ضمن التنظيم أو خارجه، فلم يُفرق بين إسلامي أو شيوعي أو قومي او غيره مادام يقاتل تحت راية الأمة الفلسطينية وينشد لحلم الوحدة والتحرر.

أما الإعلام المركزي بحد ذاته منذ لحظة إنشاءه وتطوره كان يتفنن بنشر الدعاية الإعلامية التي تدعو إلى الأُممية الحمراء وحق البشرية في إختيار النضال ضد الرجعية الإمبريالية و الإستعمار المتوحش وأحقية الشعب الفلسطيني في العودة إلى أرضه وطرد الدخلاء من الكيان الغاصب بالقوة والدماء !، وجسد كل هذا بمئات الرسوميات التي لا يختلف على جماليتها وفنيتها أحد.
ألوان الريشة حادةٌ وواضحة كالقضية ذاتها والعبارات الداعية إلى الوحدة المكتوبة على أطراف الرسومات تترنم على أذهان الناس عبر العقود. "كوبا وفلسطين قضية واحدة" "فيتنام وحقها المنيع" إيرلندا ضد الإجرام البريطاني"، والرسوم بأدق التفاصيل ، لثامٌ على الوجه وسلاحٌ في اليد يرمز للنضال و أدواتٌ ميكانيكية في أحد جيوب قميص المناضل يرمز للعامل المجتهد المنتج وللجماهير الكادحة صاحبة الشهادات والخبرة والطلبة المتعلمين، أي أن الجبهة ليس فيها من يدخل جاهلاً إلا وعاش بها متعلماً واعياً فاهماً لكل أساسات البحث العلمي ومفاهيم السياسة ، كي لا يُستغل غداً كدرعٍ بشري من إحدى الجهات المزيفة مدعية النضال و الوطنية !.

أما العمليات على أرض الميدان فقد أثبتت عبر السنين أن الجبهة الشعبية هي العلامة الفارقة في الشرق كله من هذا الجانب، فقد كانت ألاكثر فاعليةً بين الجبهات البقية على مستوى الدعم والتخطيط، وخيرُ دليلٍ على ذلك هو ثقل كتائب الشهيد ابو علي في غرفة العمليات المشتركة، فحين تحتاج السلاح تأتي الجماهير الأبية محملةً لتمول غرفة العمليات من كل حدب وصوب، وحين تحتاج إلى الشعارات والروح الوطنية فالكل من أبناء الشعب الفلسطيني يقف صفاً متراصاً مع الفصائل الفلسطينية البطلة ، ولكن حين تحتاج التخطيط والفاعلية الحقيقة التي تغير موازين القوة فليس لك إلا أبو علي مصطفى! .

رفاق فلسطين اليساريين هُم صُناع تاريخ، ففي حين كان اليأس ياكل المستضعفين وهماً بإن إسرائيل أصبحت قوة ليست تقهر، دخل في شهر أكتوبر خيرةٌ من شباب فلسطين إلى داخل غرفة فندق ليثبتوا عكس ذلك، فرغم إنتشار المخابرات الصهيونية في المبنى ورغم الخطة التي رسمتها وحدة المخابرات الأمريكية وضعوا ثلاث رصاصات برأس المجرم الصهيوني "رحبعام زئيفي" وبينوا للمحتل الغاصب أن إسرائيل ليست إلا "نمرٌ من ورق" وأن رعب بعض الجماهير الغير مبرر منها قد صنعها وأن الرعب الذي سنصُبه عليها سيُزيلها يومٌ من الوجود، وكان هذا ثأر لأخيهم الأكبر ورفيقهم ابا علي مصطفى الذي رأى نفسه جندياً وأن الموت أحق به من غيره، حتى لا يسقط علم فلسطين ولا يسقط علم الجبهة، يوم رحب بالصواريخ الغاشمة القادمة إليه في مكتبه وهو يرسم أمل الحلم الفلسطيني الذي جاب الشرق يحلم به ، ولقد رأى أبو علي أن حياة الشباب عنده أثمن وأن الأمل فيهم وأن القيادة ليست قيادةً إن لم تتذوق مرارة التضحية بين حين وحين وقد كان أكثر وعياً من أن يترك النضال والاشتباك ويلتزم عبادة السياسة والجشع الذي ساومه عليه النظام الفلسطيني العميل الذي باع دماء وحقوق شعبه، حتى كتب أبا عليٍ رداً على النظام أخر كتاباته يوم قال "عدنا لنقاوم من أجل الثوابت ، لا لنساوم !".
وكانت موت وديع، حياةً ، فقد صاغ موتُهُ قضية وصنع "القضية الفلسطينية" وأهداها سلاحاً للعامة في وجه "العدو في كل مكان".

وغسان ترك خلفه أطنان من الكراسات التي رسمت الدرب للمفكرين ومهدت لهم سبل النضال، فحتى حين فجره المجرمون بقت ساعته تدق! وأفكاره كساعته ما زالت تدق في زوايا العقل، تُعلمنا الأغاني والعلوم الإنسانية.

أما "جورج حبش"فقد كان العملة التي ضاعت كل مثيلاتها ولم يبقى سواها ، كان هو "لينين" الشرق ! الذي حول الكتب اليسارية من كلام الى أفعال و أوقد المنارة التي أصبحت اليوم أمل اليساريين الذي يعقد عليه العزم في دحر الفاشية.

إن العمالقة من أمثال أحمد سعدات الذي فضل السجون والغربة على الذل لهو خير دليل على دراسة وتطبيق جورج حبش للماركسية - اللينينية في صُنع قادةٍ يزجون أنفسهم في ساحة القتال من أجل الكرامة، لا الجلوس والتباكي في مجالس الدول الكبرى، ورفضهم القاطع للممارسات الليبرالية التي تحث على الحوار مع العدو والتفاوض والخنوع من أجل بعض الامتيازات.

لقد كانت الجبهة الشعبية دوماً وستبقى هي "تاج اليسار" وحصن فلسطين الذي لم يخن وسلاح الثوار المنيع ضد الإحتلال الفاشي والرجعية.

إرسال تعليق

0 تعليقات