مُظفر عِراق النواب ! | بلشفيّات



مقال للرفيق : المؤمل عادل

إن أقل ما قد يمكن للمرء أن يقوله عن مظفر ، أنه أحب بلده ، والعراق إن أحببته فهذا يعني أنك ستذوق التشرد والعذاب !.

وُلد مظفر عام 1934 في أُسرةٍ "تُقدس" الفن وتحترمه. 

منذُ الصِغر كان النواب موهوباً بالشِعر ومهووساً به لدرجة أنه في بداية شبابه بدأ يكتب قصائده الثورية التي أراد بها نقل معاناة الشعب الكادح الخاضع للحكم الملكي، ومنذ هذه اللحظة بدأ النظام الهاشمي الملكي يترصده ويراقب تحركاته ، حتى حين دخل الجامعة ليكمل تعليمه تم فصله وحين إحتج مُعترِضاً تمت جرجرته إلى الزنزانة وتعرض لأبشع أنوع التعذيب لأيام طويلة وتُرِك في زنزانته دون طعام حتى إطلاق سراحه.

كانت ثورة 14 تموز هي الشرارة التي أشعلت في قلب النواب الثورية المُتطرفة للوطن وخلقت فيه الشيوعي العنيد !.

عمل كمُفتش في وزارة التربية والتعليم وعاش فترة إستقرار حتى عام 1963 ، حين حل "شباط الأسود" وإنقلب البعثيون على قاسم ورفاقه.

 وقد كان مظفر النواب من الرؤوس المطلوبة عند القوميين ، فرحل نحو "الاهواز المُحتلة" ولكن ذلك لم يُغنيه، فقد إعتقلته الإستخبارات الايرانية أثناء توجهه إلى روسيا وعذبته لأشهر طويلة قبل أن تقوم بتسليمه إلى الحكومة العراقية التي أصدرت فيه حكم الإعدام بسبب قصائده المعارضة للبعثيين !.

خففت الحكومة البعثية العقوبة إلى السجن المؤبد وتم نقله الى سجن "نقرة السلمان" بعيداً في الصحراء الحدودية بين العراق والسعودية وأمضى فيه فترة طويلة حتى نُقِل إلى سجن "الحلة" في بغداد.

مظفر كأي شيوعي صلب لم يمل للقمع وواصل يهتف ضد سجانيه ويُحرض عليهم .

أخذ النواب يحفر خندقاً لنفسه ولرفاقه ليهربوا منه إلى الحرية وقد نجحوا في ذلك، وعاد إلى بغداد وبقي لأيام حتى إرتحل إلى الأهوار وإنظم الى الفصيل الشيوعي المسلح الذي نظمهُ الفلاحون كمحاولة لقلب الحكم عام 1966.

عاش النواب طيلة حياته مُهجراً قسرياً من منفى الى أخر، يحلم أن يعود إلى الوطن وكان يرتحل من سوريا إلى مصر وإلى لبنان بدون وثائق ثبوتية أو بطاقة تعريف حتى أعطته ليبيا جواز سفرِها لتُسهل أمره، وحيثما إرتحل رحلت معه ثوريته وحقده على الحكام العرب الخونة و زاد حُب الجماهير العرب له يوماً بعد يوم ، حتى أصبح للنواب بيتاً في قلوب الثوار والمناضلين في الوطن العربي كُله.

في عام 1996 طُبِعت أعماله الكاملة وصار النواب هو المرجع الأول للثوار والمُعلم الأوحد للثورة والمنهج الذي لا يتجزأ والفُمُ الذي لا يتردد عن شتم الحُكام الطُغاة، من دون خوف أو تراجع، كان يُعري حقيقتهُم ويُعددهم بالأسماء أيضاً !.

توفي مظفر عيد المجيد النواب في الشارقة في عام 2022 ، وفي اليوم الثاني أثناء مراسيم تشييع جثمانه حضر العديد من الوزراء والمسؤولين لكي يستغلوا الموقف، إلا أنهم إنصدموا أن الجماهير العراقية المُعزية إستقبلتهم برمي الحجارة والأحذية عليهم وقامت بشتمِهم، لكي تُبين لهم أن رسالة مظفر النواب كانت ضد أمثالهم من العملاء والخونة وأن النواب هو عملاقٌ بحجم الوطن ، وهيهات أن يُهان الوطن في يوم تشييعهِ !.

ترك النواب قصائد ملحمية وعلى رأسِها قصيدة "عبدُ الله الارهابي" التي تحدث فيها عن الإنسان العربي المظلوم الذي يقاتل لأرضه ويُخونه الحكام وتُذِله الضروف ولكنهُ يأبى الخضوع ويستمر يقاتل حتى يُحرر أراضيه أو يستشهِد.

أما قصائدة الشعبية صارت أغاني يرددها الشعب العراقي يومياً حتى أصبحت كنزاً تتناقله الأجيال من جيلٍ إلى جيل.

كان لمظفر أُمنية، أن يرى فلسطين حُرة وأن يعود العراق شامِخاً مرةً أخرى وأن يمِسهُ الموت قبل أن تمُس يدُ الطغاة شرف بيروت وأن تعود دمشق مرةً أخرى قلباً يوزع الحُب والسلاح على الثوار والكادحين.

إن تجُرع السُم لأهونُ علينا من تقبُلِ موت النواب، ولكن لا بأس فالنواب باقيٍ للأبد، لن يمحي ذكراه تطبيع البعض من النكرات وخيانتهم للقضية العادلة ولن يتراجع الثوار والكادحين عن ترديد كلماته في وجه الطُغاة ولن تضيع ذِكرى "زهرةُ الصبار" !.

إلى الأب الذي علمنا قيمة الكلمة وأهمية السلاح في وجه العدو

إلى المُعلم الذي علمنا قيمة التطرُف للعدالة 

إلى الصوت المبحوح الحزين الذي ذاق الفُراق والعذاب 

إلى الفكرةِ التي "تذلُ عيون الذُل"
 
الى الشيوعي الأخير !

الى العراقي الأول !

لذكراك الخلود والعِزة ما بقينا وما بقيّ الدهر.

إرسال تعليق

0 تعليقات