فلاديمير لينين : بم نبدأ ؟ | بلشفيّات


المصدر : فلاديمير لينين

إن السؤال: «ما العمل؟» ينطرح في السنوات الأخيرة أمام الاشتراكيين-الديموقراطيين الروس بقوة خاصة. فليس المقصود اختيار السبيل (كما كان الحال في أواخر العقد التاسع وأوائل العقد العاشر) بل المقصود أن نعرف أي خطوات عملية يتعين علينا أن نخطوها في السبيل المعروف وبأي طريقة على وجه الضبط. إن المقصود هو منهج وخطة النشاط العملي. ولا بد من الاعتراف بأن هذه المسألة المتعلقة بطابع النضال ووسائله والأساسية بالنسبة لحزب عملي لم تجد بعد حلا لها عندنا، ولا تزال تثير خلافات جدية تدل على تقلقل واضطراب في الأفكار يؤسف لهما. فإن الاتجاه «الاقتصادي» الذي يحاول أن يبتر ويضيق العمل في حقل التنظيم السياسي والتحريض السياسي، أبعد من أن يكون قد مات؛ هذا من جهة. ومن جهة أخرى يرفع اتجاه الاختيارية اللامبدئية رأسه باعتزاز كما من قبل، متكيفا لكل «ميل» جديد، وغير قادر على التمييز بين مقتضيات الساعة وبين المهام الأساسية والحاجات الدائمة التي تجابه الحركة بكليتها. وهذا الاتجاه، كما هو معروف، قد بنى لنفسه عشا في «رابوتشييه ديلو». وبيانها «البرنامجي» الأخير ـ وهو عبارة عن مقالة مدوية ذات عنوان مدو «الانعطاف التاريخي» (العدد 6 ، «ليستوك «رابوتشييه ديلو»») ـ يؤكد بجلاء خاص هذا الوصف. في الأمس القريب، كنا نغازل «الاقتصادية» ونغضب للتنديد القاطع بـ«رابوتشايا ميسل»، و«نخفف» من شأن إقدام بليخانوف على طرح مسألة النضال ضد الحكم المطلق، ـ أما اليوم فإننا نستشهد بقول ليبكنخت: «إذا تغيرت الأحوال في 24 ساعة، تعين تغيير التاكتيك أيضا في 24 ساعة»، ونتحدث عن «تنظيم كفاحي قوي» لأجل الهجوم المباشر، لأجل مهاجمة الحكم المطلق، وعن «التحريض الثوري السياسي (فبأي حزم نتكلم الآن: الثوري والسياسي على السواء !) الواسع بين الجماهير» وعن «الدعوة بلا كلل إلى الاحتجاج في الشارع» و«تنظيم مظاهرات في الشارع ذات طابع سياسي حاد» (كذا !) وخلافه، وهلمجراً وهكذا دواليك.
لعله كان بوسعنا أن نعرب عن ارتياحنا لكون «رابوتشييه ديلو» قد استوعبت بمثل هذه السرعة البرنامج الذي عرضناه في العدد الأول بالذات من «الايسكرا» والقائل بإنشاء حزب منظم قوي لا يبتغي الظفر ببعض التنازلات وحسب، بل يبتغي كذلك الاستيلاء على قلعة الحكم المطلق ذاتها؛ ولكن عدم وجود أي وجهة نظر ثابتة عند المستوعبين من شأنه أن يفسد كل ارتياح.
ومن العبث، طبعا، أن تستغل «رابوتشييه ديلو» اسم ليبكنخت. ففي 24 ساعة يمكن تغيير تاكتيك التحريض حول قضية خاصة ما، وتاكتيك تطبيق تفصيل ما من التنظيم الحزبي؛ ولكن أولئك الذين لا مبدأ لهم على الإطلاق هم وحدهم الذين يسعهم أن يغيروا، لا في 24 ساعة وحسب، ولكن أيضا حتى في 24 شهرا، آراءهم فيما إذا كانت ثمة حاجة على العموم وعلى الدوام وبكل تأكيد إلى التنظيم الكفاحي والتحريض السياسي بين الجماهير. ومن المضحك الاستشهاد باختلاف الأحوال، وبتعاقب المراحل: فإن العمل على إنشاء التنظيم الكفاحي وعلى تحقيق التحريض السياسي أمر إلزامي في الظرف «الرمادي، السلمي» أيا كان، في مرحلة «هبوط المعنوبات الثورية» أيا كان؛ ناهيك بأن هذا العمل ضروري بخاصة في مثل هذا الظرف على وجه الضبط وفي مثل هذه المرحلة على وجه الضبط، لأنه يفوت أوان إنشاء التنظيم في أوقات الانفجارات والغليانات؛ ينبغي أن يكون التنظيم جاهزا لكي يقوم بنشاطه على الفور. «يجب تغيير التاكتيك في 24 ساعة !» ولكن، لأجل تغيير التاكتيك، يجب أولا أن يكون هناك تاكتيك؛ وإذا لم يوجد تنظيم قوي متمرس بالنضال السياسي في جميع الظروف والمراحل، فلا يمكن أن يكون موضع بحث أي مشروع للعمل متماسك الأجزاء، يرتكز على مبادئ ثابتة وينفذ باستقامة، مشروع يستحق وحده من دون سائر المشاريع تسميته بالتاكتيك. انظروا إلى الواقع بالذات: يقولون لنا أن «الظرف التاريخي» قد طرح أمام حزبنا مسألة «جديدة تماما» هي مسألة الإرهاب. في الأمس كانت مسألة التنظيم السياسي والتحريض السياسي «جديدة تماما»، واليوم مسألة الإرهاب. أوليس من الغريب أن نسمع أناسا عجزوا إلى هذا الحد عن فهم صلات القربى يحاكمون حول تغيير التاكتيك بصورة جذرية؟
ومن حسن الحظ أن «رابوتشييه ديلو» ليست على حق. إن مسألة الإرهاب ليست جديدة على الإطلاق، وحسبنا هنا أن نذكر بإيجاز بالآراء التي ترسخت في صفوف الاشتراكية-الديموقراطية الروسية.
نحن مبدئيا لم ننكر الإرهاب يوما وليس في وسعنا أن ننكره. فهو عمل من الأعمال العسكرية يمكنه أن يكون صالحا تماما وحتى ضروريا في لحظة معينة من القتال، وفي حالة معينة للقوات المسلحة، وفي ظروف معينة. ولكن جوهر الأمر يقوم على وجه الضبط في أن الإرهاب لا يظهر أبدا في الوقت الحاضر بوصفه عملية من عمليات الجيش المقاتل مرتبطة ومنسقة بشكل وثيق مع مجمل منهاج النضال، بل يظهر بوصفه وسيلة لهجمة منفردة مستقلة تماما عن كل جيش. وبالفعل لا يمكن لإرهاب أن يكون غير ذلك عندما لا تكون هناك منظمة ثورية مركزية وعندما تكون المنظمات الثورية المحلية ضعيفة. ولهذا السبب نعلن قطعا أن هذه الوسيلة للنضال في هذه الأحوال ليست في حينها وليست صائبة، وتصرف أنشط المناضلين عن مهمتهم الحقيقية، الأهم من حيث مصلحة الحركة بمجملها، وتشوش القوى الثورية لا القوى الحكومية. تذكروا الأحداث الأخيرة: فأمام أبصارنا تندفع الجماهير الواسعة من عمال المدن ومن «الشعب البسيط» في المدن إلى النضال، ولكنه لا توجد عند الثوريين هيئة أركان من القادة والمنظمين. أفلا يهدد انتقال أشد الثوريين عزما وحزما إلى الإرهاب في هذه الظروف بإضعاف تلك الفصائل الكفاحية التي يمكن عليها وحدها تعليق الآمال الجدية؟ أفلا يهدد هذا بقطع الصلة بين المنظمات الثورية وتلك الجماهير المبعثرة من المستائين والمجتجين والمستعدين للنضال، والضعاف بحكم تبعثرهم ذاته؟ والحال، في هذه الصلة تكمن الضمانة الوحيدة لنجاحنا. نحن أبعد عن التفكير بإنكار كل شأن ووزن للضربات الباسلة المنفردة، ولكن واجبنا أن نحذر بكل الحزم من التولع بالإرهاب، من اعتباره الوسيلة الرئيسية والأساسية للنضال، الأمر الذي يميل إليه بقوة بالغة كثيرون جدا جدا في الوقت الحاضر. إن الإرهاب لن يستطيع أبدا أن يصبح فعلا حربيا عاديا: فهو في خيرة الأحوال لا يصلح إلا كأسلوب من أساليب الهجوم الحاسم. وهنا نتساءل: هل يسعنا في الظرف الراهن الدعوة إلى مثل هذا الهجوم؟ إن «رابوتشييه ديلو»، على ما يبدو، تعتقد أن في وسعنا ذلك. وهي، على كل حال، تصبح: «انتظموا في طوابير هجومية !». ولكن هذا من جديد جهد يتجاوز المعقول. فإن السواد الأعظم من قوانا الحربية يتألف من متطوعين وثوار. وليس لدينا من القوات الدائمة غير بضع فصائل صغيرة ناهيك بأن هذه الفصائل غير معبأة، وغير مترابطة فيما بينها، وغير مدربة على الانتظام في طوابير عسكرية على العموم، وبالأحرى في طوابير هجومية. وفي مثل هذه الأحوال، يجب أن يكون واضحا لكل من يستطيع أن يرى ظروف نضالنا العامة، دون أن ينساها لدن كل «انعطاف» في مجرى الأحداث التاريخي، إن شعارنا في الظرف الراهن لا يمكن أن يكون «الإقدام على الهجوم»، بل يجب أن يكون: «ضرب حصار محكم حول قلعة العدو». وبتعبير آخر: إن مهمة حزبنا المباشرة لا يمكن أن تكون دعوة جميع القوى الموجودة إلى الهجوم الآن بالذات، بل يجب أن تكون الدعوة إلى خلق تنظيم ثوري أهل لتوحيد جميع القوى ولقيادة الحركة، لا بالاسم وحسب، بل بالفعل أيضا، أي أن يكون مستعدا على الدوام لتأييد كل احتجاج وكل غليان وللاستفادة من هذه الاحتجاجات والغليانات في زيادة وتعزيز القوات الحربية الصالحة للمعركة الفاصلة.
إن درس أحداث شباط وآذار (فبراير ومارس) كبير الدلالة إلى حد أنه من المشكوك فيه أن نجد الآن اعتراضات مبدئية على هذا الاستنتاج. ولكن المطلوب منا في الوقت الحاضر ليس الحل المبدئي للمسألة، بل الحل العملي. وليس المطلوب أن نوضح لأنفسنا أي تنظيم على وجه الدقة ينبغي لنا ولأي عمل على وجه الضبط، بل المطلوب أن نرسم مشروعا معينا للتنظيم لكي يمكن الشروع ببنائه من جميع الجوانب. ونظرا لإلحاح المسألة وأهميتها، نعتزم من جهتنا أن نعرض على الرفاق مسودة مشروع سنبسطه بمزيد من التفصيل في كراس نهيئه للطبع.
وبرأينا أن تأسيس جريدة سياسية لعامة روسيا يجب أن يكون نقطة الانطلاق للنشاط، الخطوة العملية الأولى لإنشاء التنظيم المنشود، وأخيرا، الخيط الأساسي الذي يمكننا، بالتمسك به، أن نطور هذا التنظيم ونعمقه ونوسعه باستمرار. نحن بحاجة في المقام الأول إلى جريدة؛ فبدونها يستحيل القيام بدأب وانتظام بالدعاية والتحريض المبدئيين والشاملين، الأمر الذي يشكل المهمة الدائمة والرئيسية التي تجابه الاشتراكية-الديموقراطية على العموم ويشكل مهمة حيوية جدا في الظرف الراهن إذ أثير الاهتمام بالسياسة وبمسائل الاشتراكية بين أوسع فئات السكان. والآن، أكثر مما في أي وقت مضى، يقتضي الحال إكمال التحريض المبعثر بالتأثير الشخصي، بالمناشير المحلية، بالكراريس وخلافها، بذلك التحريض المعمّم والمنتظم الذي لا يمكن القيام به إلا بواسطة الصحافة الدورية. ولن يكون على الأرجح من باب المبالغة القول أن درجة تواتر وانتظام إصدار (وتوزيع) الجريدة يمكن أن تكون أدق مقياس لكي نعرف إلى أي حد من الجد والمتانة نظمنا عندنا هذا الفرع الأولي والأهم من نشاطنا الحربي. ثم إننا بحاجة إلى جريدة لعامة روسيا على وجه الدقة. فإذا لم نستطع وطالما لم نستطع أن نوحد تأثيرنا في الشعب والحكومة بواسطة كلمتنا المطبوعة، فإنها ستكون من باب الخيال فكرة توحيد وسائل أخرى للتأثير أشد تعقيدا وصعوبة ولكنها بالمقابل أقوى مفعولا. إن حركتنا، سواء أعلى الصعيد الفكري أم على الصعيد العملي، التنظيمي تشكو أكثر ما تشكو، من التشتت، من أن الاشتراكيين-الديموقراطيين غارقون كليا تقريبا، بأغلبيتهم الهائلة، في لجة العمل المحلي الصرف الذي يضيق على السواء أفقهم الفكري ومجال نشاطهم، ومقدرتهم على النشاط السري واستعدادهم له. وفي هذا التشتت بالذات ينبغي التفتيش عن أعمق جذور ذلك التقلقل وذلك الاضطراب اللذين تحدثنا عنهما آنفا. أما الخطوة الأولى إلى الأمام في طريق الخلاص من هذا النقص، في طريق تحويل بضع حركات محلية إلى حركة واحدة لعامة روسيا. وأخيرا، إننا بحاجة إلى جريدة سياسية بالضبط. فبدون جريدة سياسية، لا يمكن في أوروبا الراهنة تصور حركة جديرة بأن توصف بأنها سياسية. وبدونها يستحيل كليا تنفيذ مهمتنا ألا وهي تركيز جميع عناصر الاستياء والاحتجاج السياسي وتلقيح الحركة الثورية للبروليتاريا بها. وقد خطونا الخطوة الأولى، وأيقظنا في الطبقة العاملة الشغف بالتشهير «الاقتصادي»، المصنعي. وينبغي لنا أن نخطو الخطوة التالية: ينبغي لنا أن نوقظ الشغف إلى التشهير السياسي في جميع فئات السكان الواعية بعض الشيء. ولا ينبغي أن نتهيب حيال ما نراه اليوم من ضعف وندرة ووجل في أصوات التشهير السياسي. فسبب ذلك ليس البتة تسليم الجميع بالطغيان البوليسي. سبب ذلك أن الناس القادرين على التشهير والمستعدين له لا يجدون منبرا يرفعون منه أصواتهم، لا يجدون بيئة تصغي إلى الخطباء بانتباه وتشجعهم، لا يرون هنا وهناك في الشعب قوة تستحق جهد التوجه غليها بالشكاية من الحكومة الروسية «ذات الحول والطول». أما اليوم فإن كل هذا يتغير بسرعة بالغة. فإن هذه القوة موجودة؛ إنها البروليتاريا الثورية التي أبدت استعدادها، لا لسماع وتأييد النداء إلى النضال السياسي وحسب، بل أيضا للاندفاع بجرأة إلى النضال. وفي وسعنا اليوم ومن واجبنا إنشاء منبر للتشهير بالحكومة القيصرية أمام الشعب كله. وهذا المنبر ينبغي أن يكون الجريدة الاشتراكية-الديموقراطية. إن الطبقة العاملة الروسية، خلافا لسائر الطبقات والفئات في المجتمع الروسي، تبدي اهتماما متصلا بالمعرفة السياسية وتتقدم دائما (وليس في مراحل التهيج الخاص وحسب) بطلب ضخم على المطبوعات السرية. ونظرا لهذا الطلب المكثف، ونظرا لتكوين القادة الثوريين المحنكين الذي قد بدأ، ونظرا لتركز الطبقة العاملة على نحو يجعل منها السيد الفعلي في الأحياء العمالية بالمدن الكبرى وفي البلدات العمالية، والحواضر المصنعية، يكون تأسيس جريدة سياسية أمرا في مقدور البروليتاريا تماما. وبواسطة البروليتاريا ستتغلغل الجريدة إلى صفوف العامة من السكان في المدن والحرفيين والفلاحين في الريف وتصبح جريدة سياسية شعبية حقا.
بيد أن دور الجريدة لا يقتصر على مجرد نشر الأفكار، على مجرد التربية السياسية واجتذاب الحلفاء السياسيين. إن الجريدة ليست فقط داعية جماعيا ومحرضا جماعيا، بل هي في الوقت نفسه منظم جماعي. ومن هذه الناحية الأخيرة يمكن أن تقارن بالصقالات التي تنصب حول بناية يجري تشييدها فتشير إلى معالم البناية وتسهل الاتصال بين البناة وتساعدهم على توزيع العمل بينهم وعلى رؤية مجمل النتائج التي أحرزها العمل المنظم. وبواسطة الجريدة وبالاتصال معها، سيتكون من تلقاء ذاته تنظيم دائم لا يقوم بعمل محلي وحسب، بل يقوم أيضا بعمل عام منتظم، ويعوّد أعضاءه على تتبع الأحداث السياسية باهتمام وعناية، وتقدير أهميتها وتأثيرها في مختلف فئات السكان، وإيجاد أساليب صائبة لتأثير الحزب الثوري في هذه الأحداث. وإن المهمة التكنيكية وحدها، ـ وهي تزويد الجريدة بالمواد بانتظام وتوزيعها بانتظام، ـ تجبر على إنشاء شبكة من العملاء المحليين للحزب الموحد، عملاء يكونون على صلة حية بعضهم مع بعض، ويعرفون وضع الأمور العام، ويعتادون أن ينفذوا بانتظام وظائف العمل الروسي العام الجزئية، ويمتحنون قواهم في تنظيم هذه أو تلك من الأعمال الثورية. إن هذه الشبكة من العملاء [2] ستكون صقالة هذه المنظمة التي نحتاجها على وجه التحقيق: منظمة تكون على ما يكفي من الكبر بحيث تشمل البلد كله؛ على ما يكفي من رباطة الجأش بحيث تستطيع في جميع الظروف وفي جميع «الانعطافات» والمفاجآت أن تقوم بعملها باستقامة؛ على ما يكفي من المرونة بحيث تستطيع من جهة أن تتجنب المعركة في ميدان مكشوف ضد عدو ذي قوة ساحقة، وحشد جميع قواه في نقطة واحدة، وبحيث تستطيع من جهة أخرى أن تستغل خراقة هذا العدو وتهاجمه حيث وعندما لا يتوقع الهجوم. واليوم تجابهنا مهمة سهلة نسبيا هي أن ندعم الطلاب الذين يتظاهرون في شوارع المدن الكبيرة. وغداً قد تجابهنا مهمة أصعب، مثلا، مهمة دعم حركة العاطلين عن العمل في منطقة معينة. وبعد غد سيتعين علينا أن نكون في مراكزنا لكي نسهم بقسطنا الثوري في تمرد فلاحي. اليوم ينبغي لنا أن نستغل تأزم الوضع السياسي، الناجم عن زحف الحكومة على الزيمستفوات. وغدا ينبغي لنا أن ندعم سخط السكان من تعسف هذا أو ذاك من الباشبوزوقات القيصريين ونساعد ـ بواسطة المقاطعة أو الملاحقة أو التظاهر، وخلافها ـ على تلقينه درسا يضطره إلى التراجع المكشوف. إن هذه الدرجة من الاستعداد الكفاحي لا يمكن التوصل إليها إلا بنشاط دائب يبذله جيش نظامي. وإذا ما تضافرت قوانا على إصدار جريدة عامة، فإن هذا العمل لن يهيئ ويبرز أمهر الدعاة وحسب، بل أيضا أبرع المنظمين، وأوفر زعماء الحزب السياسيين موهبة، من يستطيعون عند الاقتضاء أن يرفعوا شعار المعركة الفاصلة ويقودوا هذه المعركة.
وختاما، بعض الكلمات تجنبا لكل سوء فهم محتمل. لقد تحدثنا على الدوام عن التحضير الدائب، المنتظم، المنهاجي فقط؛ ولكننا لم نقصد البتة أن نقول بهذا أنه ليس من الممكن أن يسقط الحكم المطلق إلا من جراء حصار محكم أو هجوم منظم. إن هذه النظرة هي نظرة عقائدية جامدة غبية. فالأمر بالعكس. فمن الممكن تماما ومن المحتمل أكثر بكثير تاريخيا أن يسقط الحكم المطلق تحت ضغط أحد هذه الانفجارات العفوية أو التعقيدات السياسية غير المتوقعة التي تتهدده على الدوام من جميع الجهات. ولكن حزبا سياسيا واحدا لا يسعه، إن لم ينزلق إلى المغامرة، أن يبني نشاطه على أمل حدوث هذه الانفجارات والتعقيدات. يجب علينا أن نسير في طريقنا، وأن نقوم باستقامة بعملنا المنتظم؛ وبقدر ما يقل اعتمادنا على المفاجآت، بقدر ما تزداد الاحتمالات بألاّ تباغتنا «الانعطافات التاريخية» أيا كانت.
كتب في أيار (مايو) 1901
صدر في أيار 1901 في جريدة «الايسكرا»، العدد 4

-----------------------

[1] غني عن البيان أنه لا يسع هؤلاء العملاء أن يعملوا بنجاح إلا إذا كانوا على صلة قريبة جدا مع لجان حزبنا المحلية (الفرق، الحلقات). ناهيك بأن كل المشروع الذي رسمناه هو، على العموم، غير قابل للتحقيق، بالطبع، إلا في حال تأييده أنشط التأييد من قبل اللجان التي قامت غير مرة بخطوات ترمي إلى توحيد الحزب والتي نحن على اقتناع بأنها ستتوصل إلى هذا الغرض إن لم يكن اليوم فغداً، إن لم يكن بهذا الشكل فبذاك.

[2] غني عن البيان أنه لا يسع هؤلاء العملاء أن يعملوا بنجاح إلا إذا كانوا على صلة قريبة جدا مع لجان حزبنا المحلية (الفرق، الحلقات). ناهيك بأن كل المشروع الذي رسمناه هو، على العموم، غير قابل للتحقيق، بالطبع، إلا في حال تأييده أنشط التأييد من قبل اللجان التي قامت غير مرة بخطوات ترمي إلى توحيد الحزب والتي نحن على اقتناع بأنها ستتوصل إلى هذا الغرض إن لم يكن اليوم فغداً، إن لم يكن بهذا الشكل فبذاك.

إرسال تعليق

0 تعليقات