النسوية الماركسية | بلشفيّات

بقلم الرفيق يونس فارس

لقد كافحت المرأة طوال تاريخها لرفع الظلم، إلا أن المتتبع لتاريخ الحركة النسوية يجد أنها بدأت في القرن التاسع عشر ؛ حيث صيغ مصطلح النسوية لأول مرة في عام "1895" ليعبر عن تيار ترفده اتجاهات عدة وشعب إلى فروع عدة . لكن بدايتها الأولى ارتبطت بالثورتين الفرنسية والإنجليزية . ويعد كتاب " دفاعا عن حقوق المرأة " 1792 لماري ولستون كرافيت أول كتاب مهم في الحركة النسوية حيث كانت تتوق لأن ترى التمييز على أساس الجنس قد تلاشى تماما .
إن القضية الأساسية إذن التي اهتمت بها الحركة النسوية بمختلف اتجاهاتها هي عدم مساواة المرأة بالرجل أو التبعية له أو هيمنته عليها ، فجوهر ذلك هو مسألة عدم التماثل بين الجنسين _ اعتبار النساء والأمور المرتبطة بهن على أنهن شكل مختلف ومتدن وذو قيمة أقل من الرجال والأمور المرتبطة بهم ، فهي ترفض أن ينظر إليها على أنها موجود من الدرجة الثانية أو أنها جنس آخر بتعبير سيمون دي بوفوار يختلف عن الجنس البشري الذي هو جنس الرجل بالدرجة الأولى 
فظهرت مجموعة من النظريات داخل الحركة النسوية التي حاولت أن تفسر أصل هذا اللاتماثل بين الجنسين فقد إرتأينا أن نعمل بواحدة من هذه النظريات وهي " النسوية الماركسية " لكن قبل ذلك علينا أن نتعرف وباختصار على الحركة النسوية _ من خلال الاقتصار على بعض التعريفات التي قدمنها بعض النسويات 
ما الحركة النسوية ؟ تقول جونستون " الحركة النسوية هدفها هو تحرير المرأة من أجل المرأة " لسنا مضطرين لأن يكون لنا أي علاقة بالرجال على الإطلاق . لقد وفرو لأنفسهم رعاية ممتازة " وتعرفها تيريزا بلينغتون " ربما تعرف على أنها حركة تسعى إلى إعادة تنظيم العالم على أساس المساواة بين الجنسين في جميع العلاقات الإنسانية ؛ إنها حركة ترفض كل تمييز بين الأفراد على أساس الجنس ، وتلغي جميع الإمتيازات والأعباء الجنسية ، وتسعى جاهدة لإقامة إعتراف بالإنسانية المشتركة للمرأة والرجل باعتبارها أساس القانون والعرف " ، أما ربيكا ليوين فترى " بأنها نظرية تدعو إلى حصول النساء على حقوق إجتماعية واقتصادية وسياسية ، وعلى فرص مساوية لتلك التي يمتلكها الرجال . إن الحركة النسوية هي كذلك نموذج للوضع الإجتماعي - مستوى او منشود من الكمال لم يتم تحقيقه في العالم بعد " إضافة إلى هذه التعريفات تقول " نوال السعداوي " تعني الحركة النسوية بأن عليك أن تقرأ الكثير لتفهم الكثير ، ولتشعر بالكثير ، ولتكون صادقا . بالنسبة لي الحركة النسوية الحقيقية تعني أن تكون ثوريا . وأن يكون المرء ثوريا يعني أن يدرس مشاكل النساء من جميع الجوانب تاريخيا واجتماعيا واقتصاديا ونفسيا (....) 
الحركة النسوية باختصار هي فلسفة تحاول إجتثاث أيديولوجية الهيمنة الذكورية وتحاول خلق و تنظيم مجتمع يتسم بالمساواة السياسية والإقتصادية والروحية والجنسية والإجتماعية للمرأة .
لم يختلف تصور النسوية الماركسية المعاصرة عن الطبيعة الإنسانية عما تضمنته الماركسية التقليدية ، يرتكز تصورها في أن الطبيعة الإنسانية لها أساس بيولوجي ، تكمن في قدرة الإنسان على استغلال الطبيعة بما يخدم غاياته فالطبيعة البيولوجية للإنسان والفعل في علاقة جدلية . كمل لا يمكن فهم النساء بمعزل عن فهم طبيعة المجتمع الذي تعيش فيه
وعلى الرغم من أن ماركس لم يول عناية كبيرة لقضايا المرأة إلا أن رفيقه إنجلز حارب الإدعاءات القائلة بأن خضوع النساء وتبعيتهن للرجال أمر طبيعي ونتيجة حتمية للفروق البيولوجية بين الجنسين ، فمن خلال مؤلفه المنشور لأول مرة عام 1884"أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة " أشار إنجلز إلى أن النظرة إلى دونية المرأة هي نتاج تطور تاريخي لا تتعلق بالفروق البيولوجية ؛ فالمجتمعات البدائية _ المشاعية_ شهدت المساواة بين الجنسين وكانت العلاقات الجنسية تقوم على الإختيار الحر من الطرفين ، كما شهدت أيضا حق الأم وكانت أميسية _ بمعنى أن الأبناء ينسبون إلى الأم _ لكن مع ظهور المجتمعات الزراعية وظهور ما يسمى بالملكية الخاصة وتمكن الإنسان من إنتاج فائض فوق الحاجة الضرورية و تركزت الثروة في يد الرجال ، بدأت تظهر اللامساواة ببن المرأة و الرجل وأصبحت الوراثة من جهة لاستمرار سيطرة الرجل ، وهذا ما أسماه إنجلز بالهزيمة التاريخية العالمية لجنس النساء ، فبدأت سيطرة الرجل وهيمنته على المجتمع في المقابل تراجع دور المرأة إلى المنزل أي أنه تم تقسيم العمل وفق مصالح الرجل ، ويعترض كل من ماركس وإنجلز هذا التقسيم القائم على أساس الجنس حيث إكتسبت الفوارق البيولوجية بين الرجل والمرأة أهمية لم تكن عليها من قبل ، وجهت المرأة التي أثقلها حمل تربية الأطفال إلى أدوار إنتاجية معينة وثم إبعادها عن الأدوار الأخرى وخاصة تلك التي تمكنها من الوصول إلى الفائض ، فعلى سبيل المثال عندما تتحول المجتمعات من الحرث بالمجراف _ الذي يمكن للنساء عمله على الرغم من عبء الحمل _ إلى استخدام المحاريث الثقيلة أو الماشية ، بالتالي يتم إزاحة النساء من الأدوار الرئيسية في الإنتاج وينتقل الفائض إلى سيطرة الرجال وهو ما يؤكد أن اضطهاد المرأة هو نتيجة لمتطلبات تطور قوى الإنتاج لعلاقات إنتاجية معينة ، وبذلك يكون إضطهاد المرأة مبني على أساس التاريخ المادي للمجتمع .
وقد تلى ذلك العثور على صيغة أيديولوجية له إعتبرت دونية المرأة وتبعيتها للرجل كجزء من النظام الطبيعي، ودعم بأنظمة مفصلة من المعتقدات والشعائر الدينية والتشريعات القانونية والتشويه لجسم المرأة ، وهو ماعبرت عنه فاطمة المرنيسي أنه يميل الناس إلى فهم تحرر المرأة على أنه مشكلة روحانية وليست مادية . حيث كانت تفهم التغييرات في الظروف بالنسبة للنساء من قبل الأدب الذكوري المسلم على أنه تشمل مشاكل دينية فحسب وكان رأي المسلمين ان التغييرات في ظروف المرأة كانت هجوم مباشر على ملك الله ونظامه
فمن خلال هذه الأيديولوجية إذن _ فإذا كانت الحاجة الاقتصادية التي فسرها كل من إنجلز وماركس هي التي أدت إلى قبول سيطرة الرجل على المرأة _ فإن هناك أعدادا كبيرة من النساء قبلن هذه السيطرة باعتبارها فريضة دينية مقدسة ...

إرسال تعليق

0 تعليقات