في فلسفة فوكويوما ونهاية التاريخ | بلشفيّات

هذا المقال بقلم الرفيق : شاكر سلامة الحسب


بعدما قدم مفكرو الرأسمالية نموذج الديمقراطية الليبرالية كطريقة مثلى لإدارة الشعوب لدولها والتي جاءت نتيجة لعولمة نمط محدد من الديمقراطية ، جاء مفكرون آخرون ليضيفوا أفكار أخرى لا تقل أهمية عن الديمقراطية الليبرالية ، هي النموذج الأمثل لإدارة الشعوب وكذلك أنها البديل الأيدلوجي للاشتراكية . حيث يرى هؤلاء المفكرون بأن المجتمع الدولي ونتيجة لما يمر به من الظروف الحالية لا يوجد خيار أمامه سوى الاندماج على طريق الديمقراطية الليبرالية ، ذلك المسار الذي أفرزته الحضارة الغربية لعملية التطور ألاجتماعي ، ومن أشد المتحمسين والمنظرين لهذه الأفكار هو الأمريكي ( فرنسيس فوكويوما ) الياباني الأصل ، حيث كان يرى هذا المفكر بأن المجتمع الدولي وما يشهده من متغيرات أظهرت بأن الديمقراطية الليبرالية حققت انتصارات عظيمة ومطلقة على جميع الأيدلوجيات وأنماط الحكم السابقة التي كانت تشكل الجزء الأهم من التاريخ لما أفرزته هذه الأيدلوجيات من صراعات ومنافسات بين شعوب العالم ، حيث يرى بأن الديمقراطية الليبرالية بمفاهيمها المتطورة اكتسحت وحطمت كل الأيدلوجيات السابقة مثل الشيوعية والفاشية والمَـلكية الوراثية ، لهذا يعتقد ( فوكويوما ) بأن الديمقراطية الليبرالية يمكن أن تكون المرحلة الأخيرة والنهائية لعملية التطور الأيدلوجي للبشرية ، وهذا يعني بأنه الشكل النهائي لنظام الحكم في العالم ، وبالتالي يعني هذا الشكل من النظام هو بحد ذاته نهاية التاريخ .
وحاول ( فوكويوما ) اعطاء فكرة نهاية التاريخ طابع التجذير فـي الفكر الأوربي الحـديث حـاول الربط بين هذه الفكرة وبين تحقيق نظام الحكم الديمقراطي الليبرالي .
أما الفيلسوف ( كانط ) كان هو الآخر يرى بأن التاريخ البشري لابد وأن تكون له نهاية حيث كان يرسم الحدود النهائية للتاريخ البشري من خلال تحقيق هدف نهائي يرتبط بقدرات الإنسان وطاقاته . ويرى أن تحقيق الهدف من خلال قدرات الإنسان وطاقاته يتم بتحقيق الحرية الإنسانية وذلك من خلال وجود ما أسماه ( دستوراً مدنيا عادلاً ) وإقامة مؤسسات المجتمع المدني ... ثم أعتمد الفيلسوف ( هيغل ) فكرة نهاية التاريخ والتقت أفكاره مع الفيلسوف ( كانط ) على ان هناك نقطة ينتهي بها التاريخ وذلك من خلال تحقيق الحرية على الأرض . حيث قال ( هيغل ) بأن ( التاريخ يتحقق من خلال الوعي بالحرية ) ، وهذه الحرية في رأي ( هيغل ) تتجسد من خلال قيام الدولة الدستورية أو ما أطلق عليه ( فوكويوما ) بالديمقراطية الليبرالية ، حيث يرى ( هيغل ) أن المسار التاريخي البشري يتحقق مـــن خــلال مؤسسات سياسية اجتماعية ملموسة .
وبعــد انتهاء معركة ( فـيينا ) عـام (1806 م) كـان ( هـيـغل ) يـرى بـأن التـاريخ البـشري انتهى وأن مبادئ الحرية و الليبرالية قد انتصرت وتحقـقت في المانيا ، ولا توجد مبادئ وأفكار بديلة عن الليبرالية ، وأن أي دولة تـقوم عـلى الليـبرالـية هـي دولة خالية مـن كـل الصـراعـات والتناقضات التي كانـت سائـدة فـي الأنـماط وألاشكال السابقة للدولة ، وبالتالي ستكون خاتمة التاريخ ، بمعنى آخـر أن التاريخ قـد انتهى بقيام الدول الليـبرالية الحديثة ، وبعده جاء المفكر الفرنسي ( كوجيف ) الروسي الأصل لتـتطابق أفكارهُ مع أفكار ( هيغل ) ويتابع فكرة نهاية التاريخ ، حيث هو الآخر يرى أن تاريخ العالم مع كل تحولاته وتطوراته قد انـتهى في عـام ( 1806م ) بعد معركة ( فيينا ) ، حيـث يقـول : ( إذ أراقب ما يحدث حولي وأفكر فيما مر في العالم منذ موقـعة فـيينا أجـدني وقـد أدركـت صحة نظرة هيغل إلى هـذه الموقعة بوصفها نهـاية التاريخ بمـفهومه الحـقيقي فـفي هـذه الموقـعة وبـفضـلها بلغت طـلائع البشرية حـدودها وحقـقـت هـدفها وهـو نهـاية التـطور التاريخي للإنسان...) حـيـث يـرى ( كوجيف ) بأن ما أفرزته نهاية الحرب العالمية الثانية مـن تغيرات وتحولات في الساحة العـالمية وكان أهـمها الديمقراطية الرأسمالية قـد حـقـقـت درجـة عـالية مـن ألاستـقرار السياسي وخـفـفـت التناقضات الأساسية بين الشعوب ، وكان يرى أيضا بأن نهاية التاريخ ترتبط أساسا مع نهاية الصراعات والتناقضات السياسية الكبيرة ، وأخيرا توصل بأن النظام الاتحادي الأوربي ( الاتحاد الأوربي ) هو التجسيد التنظيمي المناسب لنهاية التاريخ ، وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية انتقلت هذه الفكره إلى ( فرنسيس فوكويوما ) حيث يرى أن من أهم أسباب انهيار المنظومة الاشتراكية هو ما كانت تعانيه من تناقضات وعيوب كبيرة وجمود وتناقض في الوسائل والصيغ في إدارة الدولة بالاضافة الى الكم الهائل مما كان تقدمة من مساندة اقتصادية وغير اقتصادية للشعوب التي تبغي التحرر مما اثقل كاهلها كثيرا ، الأمر الذي أدى إلى انهيارها وحيث يرى من وجهة نظره بأن النظام الديمقراطي الليبرالي خال من هذه التناقضات الجذرية الداخلية رغم وجود بعض المشاكل الداخلية فيها ومن أهمها الأزمة المالية الأخيرة التي عصفت به ، يقول ( فوكويوما ) .. أن اجماعا ملحوظا قد ظهر في السنوات القليلة الماضية في جميع أنحاء العالم حول شرعية الديمقراطية اليبرالية كنظام للحكم بعد أن لحقت الهزيمة بالأيدلوجيات المنافسة مثل المَـلكية الوراثية والفاشية والشيوعية في الفترة الأخيرة ، وأن الديمقراطية الليبرالية قد تشكل نقطة النهاية في التطور الأيدلوجي للإنسانية والصورة النهائية لنظام الحكم البشري وبالتالي فهي تمثل نهاية التاريخ .. إلى هنا ينتهي كلام فوكويوما ، ألذي يؤكد على حلول نهاية التاريخ بوصفه عملية واحدة للتطور المنطقي والتي تأخذ في الحسبان خبرة جميع الشعوب في جميع الأزمنة وبذلك يستنتج ( فوكويوما ) أنه لن يوجد بعد ذلك تطور في المبادئ الأساسية للمؤسسات لأنه قد تم حل جميع المشاكل والقضايا الضخمة .. وأستنتج بعد ذلك من أن النظام الديمقراطي الليبرالي يعد الطموح السياسي المنطقي الوحيد ألذي سيشمل مختلف الدول والثقافات في العالم ...
=======================
بقلم الرفيق : شاكر سلامة الحسب
١٥ / ٩ / ٢٠٢٠ _ فيينا

إرسال تعليق

0 تعليقات