دور العنف في التاريخ : قراءة في نقد رأي دوهرنغ : سيرورة العنف الاقتصادي في العالم العربي | بلشفيات




الناشر : الرفيق احمد صالح

ان واقع الصراع الطبقي في العالم اليوم و للتخصيص في عالمنا العربي يدفعنا أكثر ما يمكن الى اعادة الاطلاع على الارث النظري الكلاسيكي لاديولوجيا الطبقة العاملة و يضعنا امام مهمة جد مهمة وهي الاطلاع الدقيق على الاعمال الكاملة لآباء ديكتاتورية البروليتاريا (ماركس ، انجلز) .
وامام ما يشهده واقعنا العربي وبعض مناطق العالم من دمار وحالات حرب يومية يذهب ضحيتها الالاف من البشر الأبرياء اخترنا في هذا المقال أن نعود الى دراسة كتاب فريديريك انجلز بعنوان : دور العنف في التاريخ .
وحسب إنجلز فإن العنف الاقتصادي هو المحرك لعجلة التاريخ، والمسؤول عن تطور المجتمع، والعامل الحاسم في الانتقال من نمط إنتاجي لآخر. وهذا ما دفع بالماركسيين إلى تمجيد العنف وشرعنة ما يسمى «العنف الثوري»، الذي يستهدف تقويض النظام، وبث الفوضى، وتخريب بنيته التحتية ومنشآته، للتعجيل بزواله والبناء على أنقاضه.
ينطلق انجلز في تحليله للعنف من خلال طرح العلاقة القائمة بين كروز وفرايدي حسب ما صدح به «الهر دوهرنغ» (1) الذي يعود الى تاريخية انطلاق العنف ويربطه بالعلاقة الثنائية بين كل من روبنسون كروزوي والعبد فرايدي . يتجاوز انجلز في الفصل الاول من الكتاب هذا الهراء وهذه المغالطات ليرصد عنف الدولة و عنف البرجوازية المالكة الموجه ضد العامل المأجور الببوليتاري بالضرورة. ويرى انجلز بأن الأصل التاريخي للعنف هو في الحقيقة الأصل التاريخي للعنف الاقتصادي الذي مارسته الطبقة المالكة على العمال لهدف حفظ الفوارق الطبقية بين الطبقتين من جهة والحفاظ على امتيازات البرجوازية من جهة ثانية .
ان فكرة دوهرنغ فكرة سخيفة جدا اذ أنها تقسم السيرورة التاريخية لتطور العنف الاقتصادي في التاريخ الى نصفين ما قبل استعباد كروز لفرايدي وما بعده ، ويرى انجلز بأن هذه العملية على قدر الخطأ تثبت جهل قائلها بالسيروة التاريخية برمتها ودوروها في تقويض علاقات الانتاج القديمة و انشاء اخرى جديدة عن طريق ما يسميه هو بالعنف الاقتصادي المحدد لكل فعل وافد من خارج علاقات الانتاج.
يذهب انجلز في تحليله فكرة دوهرنغ الى عصر ما قبل العبودية ويأخذ مثال على ذلك مدينة روما الفلاحية التي تحولت بفعل التاريخ الى مدينة عالمية صناعية تزامن تحولها مع ارتقاء مجموعة من المالكين للثرورة و حلول السكان العبيد مكان الفلاحين الاصليين. وبذلك يقدم انجلز حجة مادية جدلية وتاريخية للعنف ...فبينما قدمه هودرنغ على انه عنف السيد على العبد لتأمين الغذاء أخرج انجلز العنف من دائرة التفكير الضيقة وربطه بالاقتصاد والعملية الاقتصادية التاريخية .اذ ان العنف بحسب انجلز عملية مربحة في الاقتصاد بالنسبة لمالكي الثروة و وسائل الانتاج لذلك هو عملية ملازمة لحلول الرسملة محل الاقطاع . ويحاجج على ذلك من خلال رصد مثال العبيد في الو.م.أ الذي انتفى دورهم من تلقاء نفسه دون عنف لان العبودية لم تعد مربحة (2).

ان التطور التدريجي للانتاج وتحول السلع من منتج بغاية الاستهلاك الشخصي الى سلع للمبادلة قد ادى الى انتفاء الاقطاع وحلول الرأسمال وليس ذلك مبنيا على العنف ولا دخل لهذا الاخير لا من قريب ولا من بعيد ، بل أن المحدد الاقتصادي وفي مجمل تطوره التاريخي قد ادى الى استبدال العنف الاقتصادي وتطوره هو الاخر ، ذلك ان العنف كعملية مستقلة بذاتها نشأ متأثرا بتطور عمليات الانتاج منذ القدم ،( عبودية زمن الاقطاع يعوضها العمل المأجور في فترة الانتقال الى الرأسمالية)، ان العنف الاقتصادي متطور بتطور العملية الانتاجية برمتها وتحول وسائل الانتاج ونمط الانتاج من مرحلة متأخرة الى اخرى متقدمة (الصناعي محل الطبيعي) ويرصد انجلز في الفصل الاول من كتابه دور العنف في التاريخ تأثير الجانب الاقتصادي في السياسي ودور القوة الاقتصاية المتعاضمة للبرجوازية المستفيدة من المانيفاكتورة في تقويض سيطرة النبلاء على السياسة لصالح البرجوازية. كما يتجاوزه ليحلل وفقا للسيرورة التاريخية لتطور الرأسمال من طبيعي الى مالي وتطور النمط الانتاجي من ملكية عقارية ثابتة الى صناعية متحولة .
ان العنف في فلسفة دوهرنغ اذ ما كان ينفع ان نطلق عليها اسم الفلسفة هو قراءة مثالية و عملية انشائية لا غير لا تستند الى المادية الجدلية والتاريخية كما يقدمه انجلز ويلخصه في هذه القولة: " ان القوة مشروطة مرة اخرى بالوضع الاقتصادي الذي يؤمن الوسائل اللازمة من أجل تجهيز أدوات العنف والحفاظ عليها"(3)
بهكذا فهم للسطور الاولى من نقد رأي دوهرنغ من قبل انجلز يمكن فهم حال الدمار في عالمنا العربي اليوم ، حروب بالوكالة و فوضى عارمة خاضعة رغما عنا لتطور الرأسمالية وبلوغها درجة الرأسمالية الاحتكارية ، اذ ان الفهم الماركسي لما يحدث في الشرق الاوسط و ليبيا و غيرها من الاماكن لا يمكن تناوله تناولا ساذجا ، انه عملية عنف اقتصادي مباشرة. نشأ العالم العربي جاهليا يخوض حروب الابادة من اجل الماء للكل والمرعى للحيوانات وتطور ليتمدن بعد الاسلام ويتطور من عالم عربي يعيش حياة البداوة والترحال الى أمة تخضع الى عملية بنيوية كاملة فشيد العرب مدنهم وطوروها و خاضوا لأجل التوسع حروبا لا حصر لها ، وسائلهم في ذلك بدائية كالرماح والسيوف و اهدافهم مرتبطة في جذورها بتطور العملية الاقتصادية و نشاط التجارة القوافلية المرتبطة بكل بقاع العالم. ان التحول الرئيسي حسب كتب التاريخ في علاقة العالم العربي باوروبا وبقية العالم هو حملة نابليون على مصر . لقد مثلت هذه الحملة حدثا مفصليا في تاريخ العالم العربي وكشفت للعيان عن الهوة التصنيعية بين العرب واوروبا التي سبقتهم الى تصنيع ادوات العنف " السلاح" . فتحول العالم العربي منذ ذلك الحدث الى منطقة تابعة اقتصاديا للرأسمال المعولم و خاضعة لسياسات الدول و المعسكر الأقوى اقتصاديا . تطورت الرأسمالية وبلغت درجة تعاظم الانتاج وتطورا ملفتا لوسائل الانتاج وتطورت الملكية الخاصة في الدول التي انتصرت عقب الحرب العالمية الثانية لكن ظل الاتحاد السوفياتي يحدث ذلك التوازن في ميزان القوى العالمي الى أن انهار في تسعينات القرن الماضي وعادت الرأسمالية للتطور و الارتقاء الصناعي بقيادة الامبريالية الامريكية وجاء غزو العراق العربي في 2003 لينسف عملية التطور التصنيعي الوحيدة في العالم العربي . ذلك ان بعض الدراسات تؤكد ان عملية الغزو جات في اطار تصفية العقول العراقية في مجال الصناعة النووية.
ادى سقوط العراق الى احداث تحول في تاريخ العرب الحديث ، فلم تمضي سبع سنوات حتى دبرت الامبريالية بفعل قوتها الاقتصادية - المخابراتية_ والتصنيعية الذكية فعل تحوير في الانطمة العربية وكان الهدف الرئيسي نظام الڨذافي باعتباره نظام وطني بدرجة اولى وباعتبار عدم تعاونه المرضي مع الامبريالية في علاقة بازمة النفط الليبي.
انه لا يجب ان نكون أغبياء لنكون عملاء محتملون للامبريالية بل كوننا مثاليون هو أعظم ما نقدمه للامبريالية . ان الواقع مادي والصراع طبقي وكل التحليلات الجيوسياسية لوضعنا العربي هي سفسطة وهراء كهراء الاحمق دوهرنغ اذ ان ما يمارس في عالمنا العربي وفي قطرنا التونسي هو عنف الاقتصاد على المجتمع. نعم لقد خضع عالمنا العربي الى ما خضعت له اوروبا وكان ذلك من صنع اوروبا نفسها فتطور عملية الانتاج حدث اقتصادي جاء به الاستعمار الاوروبي الى بلادنا ، فتطورت الملكية الخاصة للارض باعتبار ان مجتمعنا العربي القديم مجتمع فلاحين اقطاعيين ، وحلت الصناعة كنشاط مركزي للاقتصاد العربي على ان يبقى هذا الاقتصاد الصناعي تحت رحمة الامبريالية توجهه وفقا لمتطلبات السوق العالمي من جهة ولتوفر مواد الانتاج الخام من جهة ثانية. تنتج تونس زيت الزيتون فتحصل على ماكينات انتاج الزيت وتنتج المغرب الفسفاط فتحصل على نسيج صناعي للغرض وتنتج ليبيا نفطا فلها شركات عابرة للقارات تعمل في مجال التنقيب والاستخراج...الخ. وقد ساهم الاستعمار في بروز البرجوازية الكمبرادورية محل الاقطاعيين باعتبار ان العملية الاقتصادية في المستعمرات العربية وشبه هذه المستعمرات قد ادت الى تفوق قوة البرجوازية الكمبرادورية على قوة الاقطاع ولان الاولى فرع لا بد منه بنيويا وهيكليا في الرأسمال العالمي كحامي لمصالح الامبريالية من جهة وكفعل عنف اقتصادي نمى وتطور تاريخيا بصورة عفوية مفاجئة للامبريالية نفسها فأوجدت هذه الامبريالية له مكانا ضمنها تستفيد منه وتستبدله عند الحاجة من داخله بطريقة تؤبد واقع الفقر والبؤس في عالمنا العربي...كل ذلك دون ادنى شك وبفعل نفس الظروف يؤدي لتشكل البروليتاريا العربية وحزبها الطليعي.
(1) : الوصف كما هو : وصف فريديرك انجلز ل دوهرنغ في كتاب دور العنف في التاريخ الصفحة 7 .
(2) نفس المصدر الصفحة 11.(آخر فقرة)
(3) نفس المصدر الصفحة 21.



إرسال تعليق

0 تعليقات