المصدر : أنصار الفلسفة
تاريخ الانتهاء من القراءة : ٨ يوليو ٢٠٢١
يحاول "فرج فودة" في كتابه هذا أن يوائم بين المسميات، على أنها غير متناقضة فيما بينها، وأن جوهرها و غاياتها تصبُّ في المصبِّ نفسه. فلا يرى أدنى مبرِّر لرفض العلمانية، انطلاقاً من أنها في جوهرها لا تختلف مع الإسلام الصحيح ولا تعاديه. ولطالما كانت العلمانية فصلاً للدين عن الدولة، فهي بذلك لا تنتقض من قيمة الدين، ولا تعارِض جوهره، لأن الدين لم ولن يملك يوماً ناصية الحكم. ولهذا السبب، و لأسباب أخرى تتعلق برفضه للدولة الدينية، اتُّهِم فرج فودة - صاحب الكتاب الذي بين أيدينا - بالرِّدة، ظنّاً بأنه - أي فودة - يتعرَّض للدين الإسلامي بالإساءة.
وعن توضيح موقفه يتحدث قائلاً : "من قال أننا نتعرَّض للإسلام ؟ الإسلام في القلب والعقل معاً. لكننا نحتج على دعوتهم للحكم بالإسلام".
- يرى فودة أن الدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في الحكم هي عملية نكوص إلى الوراء، فالتاريخ لا يعود القهقرى، وليست هذه الدعوة إلا جهلاً بحقيقة التاريخ. وأن الإسلام أكبر مما يُلصقونه به، وأكبر مما يطمح إليه هؤلاء الدَّاعين، وما دعوتهم هاته إلا طمعاً في كرسي أو منصب، ما يُجسِّد صورة الإسلام السياسي بشكل واضح وصريح.
وهنا يؤكِّد فرج فودة أن الجهل هو علة العلل، فكما قلنا أن الجهل بالتاريخ يقف وراء المطالبة بتطبيق نموذج الدولة الدينية، وأن الجهل بالعلمانية يقف وراء رفضها و تطبيقها كحلٍّ للخروج من الأزمة التي تعاني منها الأمة الإسلامية، وذلك إيماناً من فودة بضرورة تحقيق وحدة وطنية متماسكة في مجتمع، تكون فيه جميع مكوناته متساوية في الحقوق والواجبات، وخاضعة للقانون بما يتلاءم مع المصلحة العامة. أما الدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية كقانون يحكم الدولة فهو نبذ للآخر المختلف، وإن كان أقليَّة، ولا يضمن الوحدة الوطنية إلا العلمانية.
- يعرض الكاتب مشكلة التطرف الديني في مصر، ويؤكد
أنها مشكلة ذات أبعاد سياسية، وأن الهدف من تطبيق الشريعة الإسلامية هو هدف سياسي بحت. ثم يعرض مشكلة تواطؤ وسائل الإعلام ومشاركتها في الحملة التسويقية الداعية لتطبيق الشريعة الإسلامية في جميع مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وذلك في سبيل التأثير على أكبر شريحة ممكنة من المتلَّقين من الشعب.
هذا الكتاب برأيي لم يرقى لمستوى عنوانه، فكاتبه عَنونه ب "حوار حول العلمانية" وهو لم يتحدث عن العلمانية إلا في بضعة أسطر، واستكمل بقية الأسطر بردوده على منتقديه بشكل شخصي، دون أن يوضح ماهية العلمانية التي يريدها، فاختصرها بفصل الدين عن الدولة. فضلاً عن الجو المصري البحت الذي كان يحيط بالكتاب، والذي كان مصحوباً بظهور الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية الأخرى في مصر. لا ننكر أن فودة كاتب ذو أهمية كبيرة في الفكر العربي، لكنه في كتابه هذا لم يكشف إلا عن فنِّه في الرد على منتقديه، دون أن نلمس عمق معنى العلمانية التي ينادي بها.
0 تعليقات