الشيوعية و الدين | بلشفيّات

بقلم الرفيق إيهاب المالكي


"الشيوعية و الدين" 
صورة الشيوعي في المخيال العربي و المغاربي هي صورة الملحد و المعادي للدين و يبدو هذا السؤال او التساءل غريبا إلى حد ما إذ ان الشيوعي اول مدافع عن المتديّن و غير المتديّن و بالمختصر المدافع عن انسانية الإنسان. 

1- ماركس و المسألة اليهودية:


ماركس يرفض التعامل مع اليهود كقومية، بل يتعامل معهم كمواطنين، يفترض اندماجهم في اممهم علمنية علمنة الدولة وتكريس حريّة المعتقد الديني، رغم أن هذا الموقف صحيح ومهمّ. ولاشكّ في أن رفض الرأسماليات الأوروبية لهذه المسألة هو الذي جعلها تُصدِّرها إلى الوطن العربي، عبر فرض تهجير اليهود (الذين هم أوروبيون، أي فرنسيون وألمان وإنجليز ....) إلى فلسطين. وبالتالي لتتحوّل " المسألة اليهودية " من مشكلة أوروبية إلى مشكلة عربية، أي دون أن تُحلّ.
وكانت مصالح الرأسمال هي التي فرضت التخلّص من الفقراء ( ومنهم قطاع مهمّ من اليهود ) من جهة، وتحويلهم إلى جنود في جيش الإمبريالية، و لخدمة مشروعها في الوقت نفسه من جهة أخرى.
هذا الوضع أبقى المشكلة اليهودية، وأدمجها بالمشروع الإمبريالي، رغم أن الدول الأوروبية كانت قد أصبحت علمانية منذ بداية القرن العشرين. وبالتالي باتت هذه المشكلة بحاجة إلى حلٍّ علمانيّ على المستوى العالمي، وفي الوطن العربي خصوصاً، بعد أن تشكّلت الدولة الصهيونية على أساس الدين اليهودي (كما حدث لباكستان التي تشكّلت على أساس الإسلام، ولبنان الذي تشكّل ككيان مسيحي، خلال سنوات متقاربة 1946- 1948)، الأمر الذي يعني إلغاء الدولة بصفتها دولة دينية.
إذن، لقد حُلّت " المسألة اليهودية " في أوروبا ليس عبر التحرّر السياسي، بل من منظور إمبريالي عبر تصديرها إلى الوطن العربي. وبالتالي فهي لم تُحلّ، على العكس فقد تحوّلت إلى مشكلة عالمية. فبدل إعطاء اليهود حقّ التديّن، جرى تشكيل دولة يهودية ( الدولة اليهودية كما أسماها هيرتزل ). وبدل أن يندمج اليهود في أممهم جرى تشكيلهم في " أمة ". وبالتالي بات التخلّص من علاقة الدين بالسياسة مشكلة عالمية.
لكن لا بدّ من أن نشير إلى أن تعبير " المسألة اليهودية " هو نتاج التاريخ الأوروبي، ودور اليهود المالي ( المرابي ) البارز كان جزءاً من هذا التاريخ. المشكلة بالتالي ليست في الدين اليهودي ( الذي هو دين شرقي عربي )، بل في اليهودي الواقعي الذي أصبح دينه هو المال. وهذا هو الدور التجاري/ الربوي الذي مارسه اليهود في مجتمع القرون الوسطى القائم على سيادة الاقتصاد الطبيعي، و غياب السلعة و النقد. رغم أن تحوّلات الرأسمالية كانت تقود إلى إفقار قطاعات هامة من اليهود ككل الفئات الاجتماعية في تلك المجتمعات، و تحكُّم بعض اليهود باقتصاد دول كما يشير ماركس في النص. وهذا الدور التجاري/ الربوي هو الذي أسّس في مرحلة الرأسمالية لنشوء "المسألة اليهودية"، حيث وحسب ما يشير ماركس أصبح المال هو دين الرأسمالية ذاتها.
و يتبنى ماركس موقفاً علمانياً منسجماً من الدين، ويرفض الموقف الإلحادي، وهو يخالف برونو باور في موقفه من الدين اليهودي حينما يعتبر أن التحرُّر السياسي يفترض تحرُّر اليهودي من يهوديته، ليؤكّد بأن المسألة تتعلّق بتحرُّر الدولة من الدين، أي أن تكفّ عن أن تكون دولة دينية، مع ضمان حريّة المعتقد الديني، انطلاقاً من تأكيد مبدأ المواطنة.
ماركس يرفض أن يكون التخلّي عن الدين هو شرط التحرُّر السياسي، ولا يعتبر أن إلغاء الدور السياسي للدين هو إلغاء للدين ذاته. ويشير إلى أن وجود الدين " المفعم بالحياة والقوّة "، لا يتعارض مع قيام " الدولة الكاملة "، أي " الدولة المدنية "، مؤكّداً على أن التحرُّر السياسي هو تحرُّر الدولة من الدين فقط، حيث يتحرَّر الإنسان سياسياً من الدين عبر إقصائه من الحقل العام إلى الحقل الخاص. وبالتالي فإن اكتمال التحرُّر السياسي لا يلغي التديّن الحقيقي للإنسان، كما أنه لا يهدف إلى إلغائه، لهذا فهو يدع التديّن قائماً، لكن دون امتيازات. الأمر الذي يعني أن تحرُّر الدولة من الدين لا يعني تحرُّر الإنسان من الدين. لهذا فإن التحرُّر السياسي لا يعني تحرُّر الإنسان من الدين بل حصوله على الحريّة الدينية.
فماركس يعتبر أن كل ذلك يمثّل " خطوة تقدميّة كبيرة حقاً".

2- خطاب فلاديمير لينين للمسلمين:


الطريق الماركسي اللينيني هو الطريق الوحيد الى الحرية والسلام وسعادة الانسان والانسانية.
وفي هذا الاطار يُذكر نص رسالة وجهها لينين الى المسلمين في تاريخ 24 نوفمبر عام 1917 جاء فيها: "يا ايها المسلمون في روسيا وسيبيريا وتركستان والقوقاز.. يا ايها الذين هدم القياصرة مساجدهم وعبث الطغاة بمعتقداتهم وعاداتهم، ان معتقداتكم وعاداتكم ومؤسساتكم القومية والثقافية اصبحت الآن حرة مقدسة، نظموا حياتكم القومية بكامل الحرية، وبدون قيد فهي حق لكم، واعلموا ان الثورة العظيمة وسوفييتات النواب والعمال والجنود والفلاحين تحمي حقوقكم وحقوق جميع شعوب روسيا، وقد تم وضع برنامج ضخم لما يمكن ان يطلق عليه اليوم "التمييز المضاد" سمي بالكورنيزاتسيا، أي احلال السكان المحليين محل المستوطنين الروس. وقد بدأ بطرد المستعمرين الروس والقوزاق والمتحدثين باسمهم من الكنيسة الاورثوذكسية الروسية في تلك المناطق.
توقفت اللغة الروسية عن الهيمنة، وعادت اللغات المحلية الى المدارس والى الحكومة والى المطبوعات وقد تمت ترقية السكان المحليين ليشغلوا مناصب في الدولة وفي الاحزاب الشيوعية المحلية واعطوا اولوية حتى عن الروس في التعيينات. وقد انشأت جامعات لتدريب جيل جديد من القادة غير الروس، ايضا اعيدت الآثار والكتب المقدسة التي نهبتها القيصرية الى المساجد، وقد تم تسليم القرآن الكريم المعروف بقرآن عثمان في احتفال مهيب الى المجلس الاسلامي في بيتروغراد في 25 ديسمبر سنة 1917. وقد اعلن يوم الجمعة يوم الاحتفال الديني بالنسبة للمسلمين، ويوم الاجازة الرسمية في كل آسيا الوسطى.
وفي التقرير الذي قدمه لينين في المؤتمر الثاني لعامة روسيا للمنظمات الشيوعية لشعوب الشرق بتاريخ 22 تشرين الثاني عام 1919، "وفي اثر مرحلة استيقاظ الشرق ستحل في الثورة المعاصرة مرحلة اشتراك جميع شعوب الشرق في تقرير مصائر العالم كله، كيلا تكون مجرد وسيلة للإثراء. ان شعوب الشرق تستيقظ لكيما تعمل حقا وفعلا ولكيما يسهم كل شعب في تقرير مصير البشرية بأسرها".

3- الحركة الشيوعية في تونس في فترة مقاومته الاستعمار:


تأسس الحزب الشيوعي التونسي عام 1920 في عهد الاستعمار الفرنسي، و قد ظهرت الحركة الشيوعية في تونس كامتداد للحركة الشيوعية الفرنسية. و عندما انعقد مؤتمر" تور" للحزب الاشتراكي الفرنسي مال اغلب الاشتراكيين الفرنسيين بتونس إلى الحزب الشيوعي الناشئ آنذاك؛ و أسسوا لهم جامعة شيوعية قامت بإصدار عدد من الصحف التي كانت سرعان ما يقع ايقافها. إلا أن أهم ما قاموا به في العشرينات هو مساندتهم لحركة محمد علي الحامي النابية. كما نشط الشيوعيون بتونس خاصة منذ عام 1936 في عهد الجبهة الشعبية الفرنسية التي كان الحزب الشيوعي الفرنسي أحد مكوناتها. وقد تركز نشاطهم آنذاك في معارضتهم للفاشية، أما إزاء الحركة النقابية التونسية فقد وقفوا ضد تجربة بلقاسم القناوي الذي أحيا تجربة محمد علي الحامي. ومن العناصر المسيرة له آنذاك: علي جراد، حسن السعداوي، جورج شمامة، أوغست فور، جورج عدة... أي أنهم خليط من التونسيين والفرنسيين، اليهود والعرب. وقد بقيت تلك إحدى خصائص القيادة الشيوعية إلى عهد الاستقلال.

4- موقف جورج عدة من اعتقال بورقيبة:


عرف جورج عدة (2008/1916) و هو أحد مناضلي الحزب الشيوعي التونسي تعسف السلطات الاستعمارية الفرنسية و السجون و معسكرات الاعتقال حيث التقى بمعية رفاقه في قيادة حزبه مع بورقيبة و نخ قيادات الحزب الدستوري في برج لوفا و قبلي… 
و لكنه أيضا واجه تعسف بورقيبة و قد حظر هذا الأخير الحزب الشيوعي في سنة 1963 و جعل جورج عدة يقف على امتداد عدة أشهر أمام حاكم التحقيق و كذلك كان الشأن بالنسبة إلى العديد من قادة الحزب و مناضليه و فقيد طيب الذكر سليمان بن سليمان. 
و بالرغم من كل هذه التعسفات البورقيبية الا ان جورج حدة لم يحتمل رؤيته يجرد من حريته و هو في خريف عمره… و تكلم جورج عندما فضل غيره الصمت ايثارا للسلامة، و قد طالب بالافراج عن بورقيبة في رسالة بعث بها لبن على في نوفمبر 1997.

5- موقف حزب العمال الشيوعي التونسي من المنشور 108 و أحداث بورما:


"شيوعي تونس يدين قمع الحجاب ويرفض اعتبار المعركة دينية" 
أعلن حزب العمال الشيوعي التونسي أن إدانته للحملة التي تشنها السلطات التونسية على الحجاب موقف مبدئي، لأنه لا يستعمل الكيل بمكيالين.
 وكان الحزب اعتبر حملة السلطة على المحجبات انتهاكا للحرية الشخصية ودليل عجز النظام عن مواجهة قضايا المجتمع بغير الأساليب الأمنية, وطالب بوقفها وبإلغاء المنشور 108 الذي يحظر ارتداء الحجاب بالمدارس والمؤسسات العامة, داعيا القوى الديمقراطية لمؤازرة المحجبات بشكل مبدئي وصارم لضمان احترام حقهن بالدراسة والشغل والتنقل.
وحول هذا الموقف الذي قد اثار استغراب بعض الرافضين للحجاب لصدوره عن حزب شيوعي, صرح انذاك حمة الهمامي الناطق الرسمي لحزب العمال إن موقف حزبه بالدفاع عن قضايا الحريات الشخصية والعامة لا يستعمل الكيل بمكيالين كأن يدافع عن المتفقين معه بالرأي ويصمت لما تنتهك حقوق مخالفيه.
و في موقفه من إبادة المسلمين في بورما أدان حزب العمال التونسي في بيان 05 سبتمبر 2017 هاته الجرائم النكراء، وحمّل المسؤولية لمنظمة الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الاسلامي” التي يغيب صوتها حين يتعلق الأمر بالشعب الفقيرة، ويعلو حين يخدم مصالح أنظمة دول البترولار” و كما انتقد حزب العمال الترويكا وبالخصوص حزب حركة النهضة الذي قال عنه في البيان ”ندين صمت حكومة “الترويكا” وحزبها الأساسي الذي طالما تبجح ببعده الإسلامي الذي لا يتعدى في الأصل التوظيف والاستغلال، ويهيب بالضمير العالمي والقوى التقدمية في بلادنا والعالم لفضح جرائم الإبادة والتطهير والتصدي لها باعتبارها جرائم ضد الإنسانية وتنظيم الإسناد المادي والمعنوي لمسلمي مينار “.

ختاما إن الفكرة الشيوعية، ارتبطت بالنضال من أجل الخلاص من الظلم الاقتصادي والإجتماعي والاستبداد السياسي، فالصراع الذي يشق المجتمعات هو صراع طبقي ، صراع بين مُضطهٓدين ومُضطهٍدين، صراع بين مستغٓلين ومستغِلين وليس صراع بين متدينين وغيرهم. 



إرسال تعليق

0 تعليقات