مقال بقلم الرفيق هادي سحباني :
في ذكرى رحيل مكسيم غوركي ، الأديب الإنسان الذي دخلت قصصه ورواياته بيوت العالم ، مبدع المدرسة الواقعية الإشتراكية في الأدب ، افترش الأرض ليلا وجابت قدماه الطرقات والمسالك بحثا عن أي عمل يبقيه على قيد الحياة .
قطع غوركي الأخشاب ، وكسر الحجارة وقام بأعمال أخرى .
جاع مرات ونال منه العياء والتعب والمرض أحيانا .
تشرد منذ صباه ، وعاشر جموع المظلومين المقهورين التائهين مثله في مجتمع لفظ أمثالهم ولم تعرهم الطبقات الرجعية الحاكمة إهتماما وطاردتهم كما تطارد الكلاب الضالة.. ولكن غوركي الإنسان إبن الشعب الذي شاطر الناس آلامهم ومعاناتهم وتشردهم لم ينحني وصرخ محتجا في وجه الجلادين وعارض الحاكمين المستبدين المترفين ودافع عن العمال والفلاحين الفقراء والعاطلين المشردين .
كان احتجاجه بعد أن عرف شعبه من خلال جوعه ، دفاعا عن المحرومين ، عن جيش العمل والعاطلين..
إنه الأديب والمسرحي والشاعر المحتج بامتياز وذلك ما نقرأه في "طفولتي" وفي "العالم" ومؤلفات أخرى .
إنه الأديب والمسرحي والشاعر المحتج بامتياز وذلك ما نقرأه في "طفولتي" وفي "العالم" ومؤلفات أخرى .
يقول غوركي : " لقد طغت علي رغبة عارمة في أن أحرر العالم وأحرر نفسي بعمل سحري.. حتى يصبح كل امرئ قادرا على أن يمنح حبه لكل إنسان آخر على الأرض، وحتى يكون بإمكان الناس أن يحيوا من أجل بعضهم بعضا ، وتغدو حياتهم باسلة ، مجيدة ، جميلة ."
لقد أنضجت آلام غوركي وتعاسته وبؤس شعبه أفكاره وإبداعه ، واكتسب في خضم المأساة أبعاده الإنسانية الرائعة ، فأبدع وكان إبداعه احتجاجا ، وكان احتجاجه من خلال إبداعه .
احتلت المرأة ، الأم ، والعاملة والمقهورة والمتمردة والصديقة والرفيقة الحالمة بغد جديد للعمال وكل الكادحين حيزا كبيرا في تراثه وكذلك شأن الطفل المشرد وحفاة الطريق والجياع والأشرار والباحثين اللاهثين وراء أي عمل مهما كان قاسيا ، وهو ما زخرت به كتاباته من " توماس غوردسيف" حتى "الأعداء" و"الأم" .
وبقدر ما تحملك صور غوركي الأدبية الجميلة نحو التجريد الفني فإنك تدرك في النهاية أنه يحط بك أرضا فتعيش حياة الكادحين للحظة وتدرك عنادهم وحقدهم الطبقي وأملهم وإيمانهم بحتمية انتصار إرادتهم وقضيتهم ، إرادة الإنسان العامل وقضية كل الكادحين على وجه الأرض .
لقد عبر غوركي عن عزة وكرامة الإنسان المقهور وحبه للحياة وجمالها برغم الكدح والفقر والقمع والمعاناة.. فرواية "الأم" رسالة واضحة تدعو للحياة ، للثورة والانعتاق وتؤكد على قدره الإنسان العامل على تغيير العالم وتحريره وبناء المجتمع الجديد العادل ، والإنسان الجديد الحالم ، السعيد ، الكريم ، سيد نفسه والمدافع عن سيادة وطنه وشعبه ، وصانع الأفق الإنساني الأرحب .
وغوركي ضد الإنهزام والإحباط وهي صفة كل متمرد محتج ولذلك تناول شخصية الإنسان المهزوم المنحط في رواية "رجل لا جدوى منه" و"حياة كليم سامغين".. وفي مقابل تلك الشخصية أعرب غوركي عن إعجابه بنقيضها بالإنسان الثائر المتمرد ، الرافض للذل والهوان ، والذي يجب أن يصنع حريته ويحطم أصفاده ويولد من جديد في غد جديد .
كما تناول غوركي في أعماله فئة البرجوازيين الصغار ، أولئك الواقفين في منتصف الطريق الباحثين عن الحلول الوسطى ، والوفاق الطبقي ، المتشرذمين ، وهو ما نقراه في كتابه الصغير القيم " البرجوازية الصغيرة" وقد شبه غوركي تلك الفئة بالدودة الشريطية التي تلتهم كل شيئ في بطن الإنسان وتلتهم ذيلها حين لا تجد شيئا تلتهمه .
قدم إلى العالم كي يخاصمه..
بكفيه المعروقتين ، قصب الخشب والحجر ، وفتح في جدار الليل عينا كالقمر..
فهو أكثر من جماع عبر..
إنه لنبي..
... قدم إلى العالم كي يخاصمه .
بكفيه المعروقتين ، قصب الخشب والحجر ، وفتح في جدار الليل عينا كالقمر..
فهو أكثر من جماع عبر..
إنه لنبي..
... قدم إلى العالم كي يخاصمه .
وبوصفه قطاع أخشاب وأحجار
فقد أضفى على المادة طراوة الأفكار
فهو أكثر من نبي..
إنه لعبقري.
فقد أضفى على المادة طراوة الأفكار
فهو أكثر من نبي..
إنه لعبقري.
إنه " آلكسي"[1] الأديب الإنسان الذي وصف الأدب يوما بكونه " علم الانسان "..
[1] " آلكسي" هو اسم الطفولة لمكسيم غوركي الذي كان يناديه به جده ومربيته بعد وفاة والدته.
0 تعليقات