اي مستقبل للرأسمالية بعد الكورونا ؟؟ | بلشفيّات

مقال بقلم : الرفيق لمين العليبي

أي مستقبل للرأسمالية بعد الكورونا ؟
إضافة إلى الخسائر البشرية التي يتكبدها العالم كل يوم، ستطال  تداعيات فيروس الكورونا كل مناحي الحياة السياسية و الاقتصادية و الإجتماعية و النفسية. و نحن الآن في الثلث الأخير من شهر أفريل تسجل الاحصائيات  إلى حد هذه اللحظة 250 ألف وفاة و أكثر من مليونين و نصف إصابة مؤكدة و تتصدر الولايات المتحدة الأمريكية قائمة الخسائر البشرية تليها إيطاليا و إسبانيا و فرنسا و بريطانيا... بينما يبدو أن الصين التي انطلق منها الوباء بدأت بالتعافي و بأقل الأضرار و هي تستعد للعودة إلى السوق العالمية قبل الجميع.. في هذا المقال سنركز فقط على الجانب الاقتصادي باعتباره العامل الحاسم في علاقة بكل السياسات الأخرى التي ستقدم عليها الدول بعد انتهاء الوباء.
لقد تهاطلت في الآونة الأخيرة مقالات عديدة  لبعض الأقلام التقدمية التي تقدر أن فيروس كورونا قد  "يسقط الخيارات النيوليبرالية"  و يعيد صياغة العالم على نحو مختلف تماما. تعجبت حقيقة من هذه اليقينية المفرطة في التفاؤل و التي لا تسندها الوقائع الملموسة... لعله كان من الأجدر التساؤل عن مصير العالم بعد الوباء؟ إلى أي حد يمكن أن يساهم  الكوفيد 19 في تغيير سياسات الرأسمالية المتوحشة؟ كيف ستكون ردود الفعل الشعبية أثناء الحجر و بعده؟
1-يكاد يجمع علماء الاقتصاد على أن من أهم صفات حقبة العولمة، تسارع تناقضاتها و تواتر انفجار أزماتها في زمن قياسي مقارنة مع حقب الرأسمالية سابقا، علاوة على عسفها الاجتماعي الأكثر قسوة و وحشية...و انتشار الوباء في كل بلدان العالم في حلقاته الاقتصادية الاقوى و الأضعف على حد السواء سيعجل باحتدام أزمة النظام الرأسمالي الذي يعاني من الركود أصلا...
2- للحد من انتشار الوباء تقرر في كل أنحاء العالم إجراء الحجر و ترك بين 15 و 20٪ فقط من قوى الإنتاج للعمل...مما سيضع العالم أمام نقص كبير في الإنتاج و بالتالي تراجع مهول في الاستهلاك و ربما سيدفع الملايين من الفقراء ضريبة باهضة بسبب نقص الغذاء. إن من طبيعة رأس المال الذهاب إلى مواقع تحقيق  الربح الأعلى و الأكثر ضمانا و استمرارية طالما هدف رأس المال هو "التراكم من أجل التراكم و الإنتاج من أجل الإنتاج" ( من رسالة ماركس إلى ل. كوجلمان، هانوفر 6 مارس 1868)... 
3-أمام النزول الحاد في الإنتاج ستدفع لوبيات النيوليبرالية الطبقة العاملة من جديد إلى العمل مما سيعرض حياة مئات الملايين من العمال و المزارعين إلى الخطر...لأن رأس المال ليس مستعدا للتضحية في سبيل اتخاذ الاحتياطات اللازمة لضمان سلامة العمال ... فأرباحه تهمه أكثر من حياة المنتجين ...
4- نتيجة عودة العمال إلى الإنتاج و التلاميذ و الطلبة إلى مقاعد الدراسة قد يعيد العالم إلى موجة  جديدة من انتشار الوباء بما سيرفع من عدد الوفيات و الاصابات و بما سيعقد الحياة اليومية للناس...
5-لا نعتقد أن النظام الرأسمالي مهدد بالشكل الذي تعبر عنه بعض الفرضيات الموغلة في التفاؤل... ذلك أن رأس المال المعولم يتعرض فعلا لأزمة جدية قد تتجاوز في تعقيدها و استفحالها أزمة 1929 أو ازمة 2008 و لكن لا نظن أن هذا الزلزال الكبير سيضع حدا للخيارات النيوليبرالية لصالح بديل نقيض... ذلك أن عتاة الرأسمالية المتوحشة بدأوا باتخاذ إجراءات تعسفية ضد الطبقات الفقيرة لصالح رجال الأعمال و لفائدة الشركات الكبرى كخفض الأجور و اختطاف جزء من مرتبات الأجراء بعنوان التبرع...
6- بقطع النظر عما إذا كان الفيروس طبيعيا أو وقع "تخليقه" في هذا المختبر أو ذاك، فإن انتشاره وفر فرصة لشعوب العالم أن تختار بين نوعين من السياسات الصحية... الدول التي تقود العولمة المتوحشة و داست على المرفق العمومي حيث آلاف الفقراء يطحنهم الفيروس دون تمكنهم من الحق في التداوي... و هذا ما ضاعف عدد الوفيات و الاصابات في تلك البلدان... بينما ظلت البلدان التي مازالت تهتم بالقطاع العام تقدم الخدمات الصحية لأوساع السكان فرأينا كيف هرعت الصين و روسيا و كوبا إلى تقديم الاعانات للدول الأوروبية و تتجاوز امتحان الوباء بسرعة و بأقل التكاليف.
7-قد تضطر البلدان الرأسمالية تحت ضغط النضالات إن إستفاقت الشعوب إلى تعديل سياساتها الاجتماعية فتلجأ إلى أشكال جديدة من الكينزية(نسبة لجون مينارد كينز) التي عالج بمقتضاها صاحبها أزمة 1929 بتبني سياسة الطلب الفعلية  la demande effective القائم على تدخل الدولة في الإقتصاد و توفير سيولة مالية كي تدور عجلته مجددا مما يرفع في مستويات الاستهلاك بما يعنيه ذلك من خروج الدولة على تميمة آدام سميث المسماة "اليد الخفية"..
8-لا يمكن للطبيعة أن تسقط العولمة، كما لا يمكن للكوفيد 19 أن يسقط خيارات النيوليبرالية، بقدر ما يوفر فرصة نادرة بالإمكان التقاطها لزعزعة نظام اقتصادي و اجتماعي معاد للإنسانية جمعاء... و هذا ما يجب أن تشتغل عليه القوى الثورية و النقابات و الكادحين في كل البلدان و كل الشعوب و الأمم المضطهدة لفرض مناويل تنمية بديلة توفر الكرامة و العدالة الاجتماعية و الرعاية الصحية للجميع...
9-لو قدر للرأسمالية المتوحشة أن تتجاوز أزمتها الراهنة بإجراءات إستثنائية مستفيدة من حاجة الفقراء و الكادحين للعمل و تحصيل لقمة العيش و مستندة إلى حظر التجوال و نزول أجهزتها القمعية إلى الشوارع فأننا سنشهد طورا جديدا من العولمة تعيد فيه الرأسمالية إعادة إنتاج أنظمة موغلة في الديكتاتورية و الفاشية الجديدة...
ليس أمام الطبقة العاملة و الأجراء و شعوب العالم الا التسلح بالارادة و التصميم لاقتناع فرصة نادرة لتنظيم صفوفها و تصعيد نضالاتها في سبيل عالم اكثر انسانية ، عالم تستطيع فيه اغلبية البشر العيش بكرامة و حرية ... فاما العدالة ة الكرامة واما البربرية ...

إرسال تعليق

0 تعليقات