إن عجز البرجوازية عن قيادة الثورة الوطنية الديمقراطية (ثورة التحرر الوطني - الناشر) يجد أساسه المادي في هذا التلازم الضروري بين العداء للإمبريالية والعداء للرأسمالية، وفي استحالة أن تكون البرجوازية، بالتالي، مناهضة للرأسمالية، في مناهضتها المحدودة للامبريالية.
والتحرر من الإمبريالية ليس ممكناً الا بما هو تحرر من الرأسمالية، والعكس بالعكس.. وهذا ما لا تقوى عليه البرجوازية (البرجوازية العليا والبرجوازية الصغرى - الناشر). فمصلحتها الطبقية تدفعها إلى العمل على تأبيد نظام سيطرتها الطبقية، وبالتالي، على تأبيد علاقات الإنتاج الرأسمالية، بينما تدفعها علاقة ارتباطها التبعي بالإمبريالية إلى محاولة الانعتاق منها، في أفق البحث عن تطور رأسمالي مستقل هو، في مبدئة نفسه، أمر مستحيل.. ولا توفيق ممكناً بين هذين النقيضين: تأبيد علاقات الإنتاج الرأسمالية، والانعتاق من الإمبريالية.
أما المراوحة بينهما، فتأجيل لحسم ضروري لا بد آت، مهما طال أجله: فإما التوجه في أفق التطور الرأسمالي الذي لن يكون ممكناً سوى في إطار علاقة التبعية البنيوية بالإمبريالية، في إطار تجدد هذه العلاقة، وإما التوجه في أفق التحرر الفعلي من الإمبريالية، بكسر لعلاقة التبعية هذه هو، بضرورة منطقه نفسه، تحويل لعلاقات الإنتاج الرأسمالية، أي بالتالي، إنتقال ثوري من الرأسمالية إلى الإشتراكية، ترتسم في سيرورته التاريخية الداخلية، حكماً، سيرورة الثورة الوطنية الديمقراطية.
ولكل من هذين التوجهين النقيضين منطقه وشروطه، فمنطق الأول أن يكون بقيادة البرجوازية، ومنطق الثاني أن يكون بقيادة الطبقة العاملة.. ولا يغير من حقيقة هذا الأمر وصول فئات من البرجوازية الصغيرة أو المتوسطة، في شروط تاريخية محددة، إلى موقع السيطرة الطبقية في السلطة، وتصديها، من موقعها هذا بالذات، لمهمات الثورة الوطنية الديمقراطية، بل ونجاحها المحدود والمؤقت في تحقيق بعض هذه المهمات.. فما دامت علاقات الإنتاج القائمة رأسمالية، وما دام تجددها هو الإطار الذي فيه يجري التصدي لتلك المهمات، وينجز بعض منها، وفيه أيضاً يمارس العداء للإمبريالية، وما دامت تلك الفئات، من موقعها في السلطة، تعمل على تأمين إعادة إنتاج تلك العلاقات من الإنتاج الرأسمالية، في أشكال وشروط قد تختلف عنها في مرحلة سابقة، فإن إعادة الإنتاج هذه تقف عائقاً منيعاً يعترض سيرورة التحرر الوطني، ويحول دون تحققها، ويتهدد حتى ما تم إنجازه من إصلاحات، في مرحلة سابقة من النهوض الوطني، فيتوفر به شرط أساسي لردة رجعية تبطل تلك المراوحة، وتحسم أمر التطور العام، الإقتصادي والسياسي والفكري، في إتجاه رأسمالي صريح يعيد إلى السلطة صفاء طابعها البرجوازي، ويعزز التبعية ضد محاولات تقليصها.. ذلك أن الأولية المطلقة في حقل الصراع الطبقي السياسي هي، بالنسبة للإمبريالية والبرجوازية الرجعية، وحتى بالنسبة لتلك الفئات الوسطية من البرجوازية التي تحتل في السلطة موقع السيطرة الطبقية - وهو موقع البرجوازية بامتياز -؛ أقول: أن تلك الأولية المطلقة هي لسد الطريق على الثورة، وتعطيل كل إمكانية للتغيير الثوري، وضرب أدوات هذا التغيير، ومنع تحققه، بكل الوسائل، بما فيها الحرب الأهلية.
0 تعليقات