المصدر : صفحة الفلسفة
المادية
الكاتب : محمد سالكة
إذا عدنا إلى التاريخ سنجد أن كل تفكير علمي عقلاني في مجتمع ديني وقبلي يتهم
صاحبه بالإلحاد ويصبح مذنبا ومنبوذا ، فحتى إبن سينا تم تكفيره لأنه قال : إن
الجبال والوديان صنعتها عوامل التعرية خلال عمر الأرض الماضي ، وجاليليو حكمت
الكنيسة بحرقه لأنه قال : الأرض كروية الشكل من الناحية الواقعية المشاهدة ، وإبن
المقفع أمر بقتله وإبن رشد اتهم بالإرهاب والكفر وداروين هدد بالقتل وماركس اتهم
بالإلحاد لأن المناهج الرجعية والمضادة للإشتراكية تلقفت عبارة " الدين أفيون
الشعوب " لمحاولة التأكيد على الطابع الإلحادي للماركسية متجاهلة مجمل العبارة
التي وردت فيها أن الدين هو " الروح في عالم بلا روح " .
إن الماركسية نظرت إلى الدين كشكل من أشكال الوعي الإجتماعي هذا الوعي بالقدر
الذي قد يشكل عزاء للمضطهدين والمستغلين والفقراء عن واقعهم المادي بتعويض نفسي
ومعنوي ، وقد يلعب دورا تقدميا وتحرريا حين يتم تخليص خطاباته من الحمولات
الرجعية ٠
لقد نجح خصوم الإشتراكية والديمقراطية في تشويه الماركسية ومحاصرة معانيها
والأفكار والتاريخ الطويل الذي ارتبطت به ، وفعلوا ذلك حين قارنوا بينها وبين
الكفر والإلحاد ، رغم علمهم جيدا أن هناك ماركسيين ليسوا ملحدين وأن هناك ملحدين
ليسوا ماركسيين ويعلمون أن الإلحاد وجد مبكرا حتى قبل عصر الديانات وإننا إذا
شئنا تقديم تعريف موجز للماركسية فسنقول هي أداة للتحليل ونظرية للتغيير ...
وترفض أن يستغل الإنسان أخاه الإنسان وترمي إلى أن يكون المجتمع كأسنان المشط ،
يعني الإشتراكية أو التشارك في وسائل الإنتاج ولا تعني كما يقولون ذوي الحسابات
الضيقة " تملك درهما فهب لي نصفه.." بل التشارك في وسائل الإنتاج والخيرات...
إن الماركسية تحترم حرية العقيدة ولم تكن لدى نشأتها ولا في سيرورتها تشترط
الإلحاد أو تبشر به ، لكن ولأن الذين يرتبون لهذه الحملات ضد الماركسية يدافعون
عن مصالح هائلة يحميها الإستبداد... فإنهم تعمدوا إلى أن يلمسوا الوتر الحساس لدى
المؤمنين بل ونقلوا معركتهم حول الكفر والإيمان من ساحة الفكر إلى ساحة الفقراء
والبسطاء ليحشدوا جمهورا غفيرا ضد الفكرة الماركسية وأساسها الديمقراطي والعقلاني
.
أنا لا أفهم كيف لأساتذة ومثقفين وكتاب في الحقل الفلسفي متشبعون بفكر كانط حول
التنوير وكتابات نيتشه حول الحداثة لا يحركون أقلامهم ضد التمييع والتحريف
للمفاهيم ، للأسف نجد بعضهم يهرولون (تْهَاكَاشْنْ) إلى نقد فكر ماركس والقول
بنهاية الماركسية وكأننا لسنا مستغلين ومقهورين وكأننا نعيش الإشتراكية وكأنه
لسنا في مجتع طبقي وكذا قولهم بفشل الإشتراكية من خلال التطبيل للبنيوية المعاصرة
لسان حال التوجهات الليبرالية ربيبة الرأسمالية التي عملت وتعمل على مواجهة ثقافة
التغيير عبر نشر أفكار معادية للماركسية ومشككة في قيمتها التي استمدتها من
الإستفادة والتطوير للخبرات المعرفية التي راكمها الفكر البشري منذ القرن السادس
قبل الميلاد إلى حدود القرن التاسع عشر، ولخدمة هذا الغرض قامت الدول المعادية
للفكر الماركسي التقدمي من إبعاد كل أنماط الفكر من ساحة الصراع السياسي ، إن هذا
الإبعاد لا يعدو أن يكون مجرد خطوة نحو وضع الفكر الإنساني خارج قضايا الإنسان في
موقع اللا موقع حيث الزمن لا يراوح مكانه ولا يتضح غير المستحيل والأفق يبدو بلون
غامض والفكر يتجه نحو ما هو كائن ولا يفكر في ما هو ممكن٠
أعداء الإشتراكية والماركسية بل أعداء الشعوب المضطهدة ألحدوا الماركسية ، لكن كم
كسب عطف عديد من البشر ذا لحية أو ذات حجاب لا أقول إكرهوا أصحاب اللحي وآحقدوا
على ذوات الحجاب لست جاهلا بتعاليم الله وسنة رسوله الكريم ، إني أذهب إلى أبعد
من ذلك وأخبركم ـ وأنتم على علم ـ أن القناع مازال موجودا وأن هناك ما يسمى
بالدين السياسي وهذا الدين السياسي الذي قال عنه ماركس بأنه أفيون ومخدر
الشعوب....
إن أبواق الإسلام السياسي فشلوا لجهلهم بتقدم القوانين التي تفرضها الحياة على
الشعوب والتي ينكرونها ويصرون على تخلف شعوبهم ، وبهذا فإن الإسلام السياسي يحمل
نهايته لأنه يسير بعكس حركة التاريخ ، وأكثر من هذا فإن دعاة الإسلام السياسي أو
المتأسلمون يقتلون بإسم الدين ما نتج عنه ردود أفعال سيئة في الشعوب الإسلامية
وغير الإسلامية ، ليس ضد الإسلام السياسي فقط بل شوه حتى سمعة الإسلام وصورة
المسلمين ؛ وتعتمد التيارات المتأسلمة في نشر أفكارها وتأطيرها للناس على :
ـ استغلال العاطفة والفطرة الدينية
ـ تفشي الجهل والأمية والاوعي
ـ الظروف المزرية والصعوبات الإقتصادية
ـ استغلال بؤس الناس وفساد الحكومات
ومع مرور الزمن أثبتت تلك الفئة فشلها نظرا لازدياد الوعي السياسي والفكري لدى
الشعوب واكتشاف كذبها وبالتالي افتضحا أمرها في معاداتها للدمقراطية وحقوق
الإنسان وغيرها ٠
0 تعليقات