بقلم الرفيق ايهاب المالكي
لا يؤمن الماركسيون الثوريون بإمكانية التحول من الرأسمالية إلى
الاشتراكية من خلال الإصلاحات أو الانتخابات البرلمانية. نحن لا نؤيد حتى الصيغة المبهمة والتي تقول: “إن المطلوب هو مزيج من أغلبية برلمانية يسارية تكملها، أو تدعمها، من خارج البرلمان تعبئة الطبقة العاملة”. في الواقع، وبناءا على استنتاج ماركس من تجربة كوميونة باريس 1871 بأن الطبقة العاملة لا يمكنها ببساطة أن تستولي علي أجهزة الدولة القائمة لاستخدامها في تحقيق أهدافها الخاصة، وبعد تعزيز لينين نفس الموقف في كتابه الدولة والثورة 1917، نستخلص أن الطبقة العاملة تحتاج إلى تدمير جهاز الدولة القائم بما فيه البرلمان في ثورة شاملة من الأسفل، والاستعاضة عنه بدولة العمال المبنية على مجالس العمال المنتخَبة في أماكن العمل والأحياء السكنية للطبقة العاملة. كما ذكر لينين في كتابه “الشيوعية مرض اليسارية الطفولي”: “فقط مجالس العمال، وليس البرلمان، يمكن أن تكون الوسيلة الوحيدة لتحقيق أهداف البروليتاريا
لاحظوا أن الحديث يدور هنا عن عدم إمكانية استعمال الدولة البرجوازية لخدمة مصالح الشعب الكادح ولو بعد اندلاع الثورة، فبالأحرى في ظروف الهدوء وبعد انتخابات عادية. ويؤكد لينين بشدة على نفس الخلاصة في كتابه: الدولة والثورة، إذ يضيف: «تتلخص فكرة ماركس في أن واجب الطبقة العاملة هو تحطيم “آلة الدولة الجاهزة” وكسرها، لا الاكتفاء بمجرد الاستيلاء عليها». ويضيف في نفس المرجع، مستشهدا بماركس: «ففي الثاني عشر من أبريل سنة 1871، أي في أيام الكومونة بالذات، كتب ماركس إلى كوغلمان: إذا ما ألقيت نظرة إلى الفصل الأخير من كتابي “18 من برومير” رأيت أني أعلنت أن المحاولة التالية للثورة الفرنسية يجب أن تكون لا نقل الآلة البيروقراطية العسكرية من يد إلى أخرى كما كان يحدث حتى الآن، بل تحطيمها
و لكن لا يمكن الاعتبار بان الانتخابات ليست حاسمة في تحديد مصير المجتمع لا يعني أنها لا تصنع فرقا على الإطلاق، والقول بأن الانتخابات ونتائجها لا تصنع فرقا إطلاقا هو مبالغة واضحة وشكل من أشكال الحتمية الميكانيكية الاقتصادية، والتي أنكرها إنجلز بشكل واضح (جنبا إلى جنب مع جميع الرواد الماركسيين الآخرين).
وفقا للمفهوم المادي للتاريخ، فإن العنصر (الحاسم) في تطور التاريخ في المقام الأخير هو إنتاج وإعادة إنتاج الحياة الحقيقية، لم يقل ماركس غير ذلك ولا أجزم أنا بغير ذلك، وبالتالي إذا كان شخص ما يحور الكلمات السابقة ليقول أن العنصر الاقتصادي هو العنصر الجوهري (الوحيد) في تطور التاريخ، فإنه يحول الطرح السابق إلى عبارة مجردة لا معنى لها. ومع أن الوضع الاقتصادي هو الأساس في التاريخ، غير أن عناصر البنية الفوقية المختلفة الأشكال السياسية للصراع الطبقي ونتائجها لها دورها. وللإيضاح: فمثلا الدساتير التي تضعها الطبقة المنتصرة بعد معركة ما ـ، والأشكال القانونية، وحتى انعكاسات كل هذه النضالات الحقيقة في أدمغة المشاركين، والنظريات السياسية والقانونية والفلسفية، والآراء الدينية وتطورها إلى نظم عقائد، أيضا تمارس نفوذها على مجرى الصراعات التاريخية وفي كثير من الحالات ما تهيمن علي تحديد شكلها.
فانتصار حركة سيريزا اليسارية في الانتخابات الماضية في اليونان أيضا لم يكن ليحول اليونان جذريا، ولكن من الواضح أنه كان سيحدث تغييرا كبيرا في الظروف التي تناضل فيها الطبقة العاملة اليونانية و نفس الشي بالنسبة لانتصار الجبهة اليسارية في الانتخابات الهندية الاخيرة. فلا يمكن لنا كاشتراكيين ثوريين أن نكون غير مبالين بهذه الاختلافات الحقيقية، كما لا يمكن أن نكون غير مبالين بالإصلاحات الصغيرة مثل الحد من طول يوم العمل، وزيادة الأجور، وسن التقاعد، وهلم جرا، وهي الإصلاحات التي لا تُغير في النظام بشكل جوهري ولكن تؤثر على مستويات معيشة العمال وظروف نضالهم.
والسبب الثاني للمشاركة في الانتخابات هو أنها جزء من المعركة من أجل تطوير وعي الطبقة العاملة. نحن الثوريون قد لا يكون لدينا إيمان أو أوهام بالبرلمان، ولكن الملايين من العمال تظل لديهم أوهام، ونحن قد نفهم أن السلطة الحقيقية ليست في يد البرلمان أو النواب، ولكن الملايين من العمال لا يفهمون هذا الموضوع حتى الآن. وبالتالي تعتبر الانتخابات لهذه الملايين من العمال وقتا يكثف الوعي السياسي عندما تركز عقولهم على النقاش السياسي، بطريقة لم تكن متاحة في الكثير من الأوقات. ولهذا يجب على الثوريين ألا يسمحوا لهذه الفترة أن تمر من دون التدخل لعمل دعاية اشتراكية، وقبل كل شيء لا يمكننا تحمل ترك أرضية هذه المعركة السياسية للإصلاحيين والليبراليين والمحافظين والفاشيين (خاصة وأن الفاشيين قد جمعوا دائما بين النضال البرلماني وما هو خارج البرلمان بشكل فعال جدا).
ثالثا، في الواقع انتخاب الثوار كنواب أو كمستشارين يمَكنهم من العمل كمدافعين عن مصالح الشعب و كأبواق للأفكار الاشتراكية، وكذلك للمساعدة على التعبئة لحملات العمال والمضطهدين
ختاما المشاركة في الانتخابات كيساريين هدفه كشف جشع الرأسمالين واظهارها للشعب، فإن موقف أحزاب الطبقة العاملة حيال المسألة البرلمانية يقوم على استخدام البرلمانات البرجوازية من أجل الدعاية والتحريض فالمشاركة في العمل البرلماني تطرح من وجهة نظر تطور الوعي الطبقي وهدفها إيقاظ الحقد الطبقي للطبقة العاملة تجاه الطبقة البورجوازية الحاكمة. إلا أن موقف المشاركة بالإنتخابات ليس ثابتا فقد تلتجئ للمقاطعة
0 تعليقات